مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أقر مجلس القيادة الرئاسي خطة سماها "خطة أولويات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة"، تركز على بنود عدة أهمها معالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل وتوريد الموارد العامة في المحافظات، وتتضمن سلسلة من الخطوات أبرزها توريد كافة الإيرادات المركزية إلى الحسابات المخصصة لها (حساب الحكومة العام) طرف البنك المركزي اليمني وفروعه في المحافظات، ويمنع تجنيب أو الصرف من هذه الموارد تحت أي مبرر.
وتركز الخطة على منع محافظي المحافظات من أي تدخل بأعمال المراكز الجمركية والضريبية في المنافذ الجوية والبرية والبحرية، كما يشمل إلغاء الرسوم غير القانونية من الوزارات والمحافظات والمؤسسات والكيانات الأخرى نهائيا، وإلغاء كل الصناديق المستحدثة، وإلغاء المنافذ البحرية غير القانونية مثل نشطون وقنا والشحر رأس العارة، وسلسلة من الإجراءات الأخرى وسلسلة من الإجراءات الأخرى.
تشمل الخطة جميع المحافظات، في المناطق المحررة، على أن تتقدمها محافظات عدن والمهرة وحضرموت وتعز ومأرب، في حين تلتزم الحكومة مقابل تنفيذ الخطة بتغطية النفقات، والالتزامات الحتمية، وفي مقدمتها صرف مرتبات موظفي الدولة في القطاعات المدنية والعسكرية والمتقاعدين ومرتبات البعثات الدبلوماسية والطلاب المبتعثين للخارج ونفقاتها التشغيلية الضرورية.
وعن سير العمل ومتابعة التنفيذ تقول خطة الإصلاحات في البند الرابع الفقرة (أ) يقدم رئيس مجلس الوزراء تقريرًا كل أسبوعين عن نتائج التنفيذ لما ورد أعلاه إلى مجلس القيادة الرئاسي" وتنص الفقرات( ب، ج، د) من هذ البند على سلسلة إجراءات، يقوم بها رئيس الحكومة تشمل تحديد الجهات التي لم تلتزم على مستوى كل مؤسسة، وأيضا إبلاغ مجلس القيادة لعقد اجتماعات لمعاقبة المخالفين، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المعرقلين.
وضع الإيرادات
منذ مطلع يوليو/تموز الماضي عجزت الحكومة الشرعية عن دفع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين بانتظام، كما وانهارت العملة الوطنية أمام الدولار إلى قرابة 2900 ريال أمام الدولار و760 ريالا أمام الريال السعودي، في ظل عدم وجود أي التزامات حقيقية كالمعتاد لشراء وقود الكهرباء وتشغيلها والخدمات العامة الأساسية الأخرى.
محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، أحمد غالب المعبقي، قال في حوار تلفزيوني في أغسطس/آب الماضي، إن أكثر من 147 مؤسسة إيرادية ترفض تسليم إيراداتها إلى البنك المركزي، وترفض فتح حسابات خاصة بها في فروع البنك المركزي بالمحافظات.
لجأ المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرأسه عيدروس الزبيدي، الحاكم الفعلي على الأرض في عدن والمحافظات الجنوبية، إلى سلسلة من التدابير القسرية الإدارية غير الاقتصادية للحد من انهيار سعر العملة أمام العملات الأجنبية، شمل تخفيض سعر الدولار أمام الريال إلى 1650 و425 للريال السعودي وتثبيته بالقوة.
كما شملت الإجراءات تشكيل لجنة تنظيم الاستيراد، ومنع الاستيراد إلا عبر اللجنة برئاسة محافظ البنك المركزي اليمني، وشملت أيضا عدم تمويل أي استيراد يذهب مباشرة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
وفق رئيس اللجنة فإنها مولت ما لا يقل عن ملياري دولار من السلع منذ تأسيسها في أغسطس الماضي حتى 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
تصعيد الانتقالي في الشرق
تنتج محافظة حضرموت شرقي اليمن ثلثي النفط في البلاد تقريبا، وكانت تمول خدمات الكهرباء في وادي حضرموت وساحلها، ولا تعرف حجم الوقود الممنوح للكهرباء في ساحل ووادي حضرموت، المقدم بعضه بأسعار تفضيلية مدعومة، إلا أن محطة كهرباء الوادي على سبيل المثال تنتج ما لا يقل عن 75 ميجاوات.
أثارت هذه الميزة الاقتصادية صراعا شديدا في حضرموت بين قوات حماية حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش، والمجلس الانفصالي الجنوبي، ما أدى إلى تفجير صراع جوهري نتج عنه حسم الموقف لصالح الانتقالي الذي تمكن من السيطرة على محافظتي المهرة ووادي حضرموت، وتقويض الوجود السعودي وطرد الحكومة اليمنية في تلك المحافظتين.
كانت معظم المؤسسات التي ترفض التوريد إلى البنك المركزي في السابق تخضع للانتقالي الانفصالي، وتوسعت الآن لتشمل محافظتي حضرموت والمهرة ذي الموارد الأكثر دخلا من النفط والجمارك.
وفور اقتحام حضرموت توجهت قوات الانفصاليين للسيطرة على منشآت الطاقة في هضبة حضرموت وفي العقلة بمحافظة شبوة المجاورة، وعلق أحد عناصر الانتقالي من الجنود في مقطع مصور، قائلاً أن جوهر الصراع يجري للسيطرة على هذه الأنابيب.
وبدأ الانتقالي الجنوبي سلسلة تعيينات لموالين له عبر عبدالسلام حميد، في مطار الغيضة بمحافظة المهرة، ومديرا بميناء شحن البري مع سلطنة عمان أحد أهم المنافذ الجمركية في اليومين الماضيين، كما اقتحم الانفصاليون ميناء نشطون بالغيضة، دون إغلاقه، وهو الحال ذاته مع من منافذ بحرية أخرى مستحدثة، لم تنجح عملية إغلاقها مثل الشحر ورأس العارة الذي رفضت العمالقة الجنوبية إغلاقه، ولم ترد أي أنباء عن إغلاق ميناء قنا في شبوة.
في المقابل، تفترض الحكومية الخطة المدعومة دوليا وخاصة من الرباعية الدولية أن يقدم رئيس الحكومة في عدن تقريرا كل أسبوعين، ابتداء منذ نوفمبر الجاري، أي أن المفترض أن رئيس الحكومة قد قدم تقريرين على الأقل ويستعد للثالث في غضون أيام.
نسف خطة الإصلاحات
تبدأ ملامح تصعيد الانتقالي مع عودة أبو علي الحضرمي القيادي العسكري بالانفصالي إلى حضرموت قبل أشهر، وتشكيل مليشيا جديدة باسم الدعم الأمني، ثم البدء تحركات للسيطرة على باقي المؤسسات الإيرادية، ضمن حزمة واسعة من الطموحات الانفصالية.
وأقدم الحضرمي الذي تشير تقارير إلى إرتباطه بإيران وأذرعها مثل حزب الله، على تهديد رئيس حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع ومؤسس قوات حماية حضرموت، عمروا بن حبريش، وفجر نزاعا ضده في النصف الثاني من نوفمبر الماضي.
مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري اقتحم الانفصاليون بعشرات آلاف العناصر المسلحة هضبة حضرموت ووادي حضرموت وصحرائها، ومحافظة المهرة، في خطوة أحادية شرع فيها الانتقالي المدعوم إماراتيا منهيا بذلك وجود جميع المؤسسات الرسمية، كما داست عناصره العلم الوطني وأعلنوا التوجه لبناء المؤسسات الانفصالية كليا.
وتزامن ذلك مع إجبار معظم أعضاء الحكومة ورئيس مجلس القيادة ومعظم أعضائه على مغادرة العاصمة المؤقتة عدن ورفضوا قرارات رئيس المجلس، واتخذوا إجراءات أحادية قوضت المركز القانوني للدولة فيما يوصف من قبل مسؤولين حكوميين بإنه انقلاب شامل على الدولة، في حين لم تعد الحكومة تجتمع، ولا ترفع التقارير ويعمل الانفصاليون على بناء مؤسسات انفصالية موازية، علنا على حد تصريحات عيدروس الزبيدي زعيم الانفصاليين في عدن.
السعودية والرباعية الدولية
تعد المملكة العربية السعودية المانح الأول للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ودعمتها قبل أسابيع ب90 مليون دولار لصرف المرتبات، وهي جزء من منحة سعودية تصل إلى قرابة 368 مليون دولار لتغطية فاتورة المرتبات.
تضم اللجنة الرباعية السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، وكانت قد توعدت قبيل اقتحام الانفصاليين محافظتي المهرة وحضرموت بمساعدة الحكومة في تنفيذ خطة الإصلاحات ومعاقبة من يعترضها من المحافظين.
انقسمت الرباعية حاليا، بين الإمارات التي تدعم الانفصاليين جنوبا، وتنسق الدول، واشنطن ولندن مع الرياض، وتعد السعودية اقتحام الانفصاليين لحضرموت والمهرة، استهدافا لمصالحها الجيوسياسية في المحافظتين وتهديد خطير لأمنها، ومنذ اليوم الأول للهجوم الانفصالي، على وادي حضرموت، طالبت الرياض بسحب جميع القوات الانفصالية من محافظتي حضرموت والمهرة، ورفض الانفصاليون ذلك.
وسحبت المملكة جميع قواتها في اليمن، من عدن وميون وسيئون والمهرة، كما سحبت طاقما سعوديا كان يدير ويشغل مستشفى الأمير محمد بن سلمان، في عدن وهي أحد أكبر المستشفيات هناك تقدم خدمات مجانا خاصة في الأمراض المستعصية مثل القلب، بتمويل حكومي.
استقلالية البنك المركزي
عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، الموالي للإمارات، على محافظتي حضرموت والمهرة، توترت علاقته مع المملكة العربية السعودية، التي رأت ما يحدث بأنه تهديد مباشر لها، لا سيما وأن تتعامل مع حضرموت، كعمق إستراتيجي، حيث طالبت الرياض بانسحاب قوات الانتقالي من المحافظات الشرقية وتمكين قوات درع الوطن الموالية لها.
في المقابل، رفض المجلس الانتقالي الجنوبي، مطالب السعودية، بالانسحاب مصعدا من إجراءاته على الأرض، حيث دعا أنصاره لاعتصام مفتوح في ساحة العروض بعدن، للمطالبة بالاستقلال، وإعلان دولة الجنوب العربي، كما أعلن عددا من وزرائه في الحكومة الشرعية، تأييدهم لكافة إجراءات المجلس الانتقالي، التي تسير في اتجاه التقسيم وإعلان الانفصال.
على ضوء هذا التصعيد، تضاعفت المخاوف، حول البنك المركزي اليمني، ومقره في العاصمة المؤقتة عدن، كمؤسسة سيادية من أي تأثير محتمل على نشاطه، وسط التوتر الغير مسبوق بين المملكة العربية السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وحظي البنك المركزي اليمني، بدعم دولي واسع، حيث أكد سفراء الدول الكبرى، وسفراء الإتحاد الأوروبي على استقلالية عمل البنك المركزي، وتميكنه من صلاحيته الكاملة، لضمان تحقيق الاستقرار في القطاع المالي والنقدي، لكن لا تزال هناك مخاوف من تأثير المجلس الانتقالي الجنوبي، على عمل البنك، الأمر الذي يهدد بنسف كافة الإصلاحات النقدية، ويعود بالأوضاع إلى نقطة الصفر.
تابع المجهر نت على X
