‏عن استنساخ الانتقالي للتجربة الحوثية

استنساخ المجلس الانتقالي لأسلوب الحوثيين في فرض أمر واقع بقوة السلاح يعتبر رهانا خاسرا من الناحية السياسية والبنيوية أيضا.. لماذا؟

العصابة الحوثية نجحت في حماية نفسها طوال هذه الفترة لأنها نشأت في بيئة جبلية مغلقة وصعبة الوصول، إضافة إلى كونها استطاعت التغلغل داخل المجتمع عبر سردية عقائدية دينية وسياسية خادعة ساهمت في اقناع بعض النخب العربية بشروع الحوثيين وليس بعض اليمنيين فقط.

هذه السردية العقائدية الحوثية (الدفاع عن الاسلام وقتال أمريكا وإسرائيل) تبرر لهم القمع وتتحمل كلفته، وإن كان ذلك خطأ وجرم في الواقع، لكن عامة الناس يتأثرون به.. وهذا العامل غير متوفر لدى الانتقالي. بل العكس تماما، ففكرة تقسيم الدول منبوذة وجماهيريتها محدودة.

أغلب الأراضي الجنوبية منبسطة ومفتوحة ومتنوعة مجتمعيا ومهمة إقليميا ودوليا بسبب اطلالتها الاستراتيجية وثرواتها الكبيرة. يستطيع الإقليم والعالم تجاهل الحوثي وجعله محصورا في الجبال الشاهقة ويترك اليمنيين هناك للجوع والفقر لعدم أهمية تلك المناطق بالنسبة للعالم، لكن جنوب اليمن مهم، ويسهل التعامل مع أي نظام أو كيان يسيطر عليه.

أيضا.. الانتقالي يحمل للناس وعودا سياسية وطموحات اقتصادية دنيوية يشعل بها حماس العامة، لكن تنفيذها سيصطدم بواقع صعب والناس في الجنوب لا يستطيعون تحمل المعاناة كثيرا.. هل يستطيع الإنتقاليين أن يجبروا الناس على البقاء عقدا من الزمان بلا مرتبات كما فعل الحوثي مثلا؟! كيف يمكن أن يصمد الانتقالي إذا دخل في مواجهة طويلة مع بعض دول الاقليم أو في حال استمر الحوثي في قصف منشآت الجنوب الحيوية والاقتصادية؟!

الجنوب المفتوح لا يحتمل سلطة قسرية طويلة العمر بلا عقد سياسي جامع يتفق عليه كل الجنوبيين من جهة والشماليين والجنوبيين من جهة أخرى، فضلا عن رضا وقبول دول الإقليم والعالم. 

المؤشرات تقول إن ما يمكن أن يحققه الانتقالي تكتيكيا بالسلاح والقوة وفرض الأمر الواقع، سيتآكل استراتيجيا مع مرور الوقت، لأن التهور الذي تم استنساخه من التجربة الحوثية لا ينتج دولة ولا اعترافا، بل يسرع ويعمق التفكك الداخلي ويصنع عداوات جديدة لا يستطيع الانتقالي تحملها أيا كان الدعم الذي يتلقاه من هنا أو هناك.

الانتقالي قد يحقق نفوذا أوسع كجماعة، لكنه لن يستطيع بناء دولة. ما فعله خلال الأيام الماضية، مستنسخا الاسلوب الحوثي في فرض الأمر الواقع، قد يكون مكسبا مرحليا، لكنه يحمل مخاطر استراتيجية على القضية الجنوبية إذا استمر في تجاهل الشارع الحضرمي والمهري والمكونات الجنوبية الأخرى، ودخل في عداوة مع القوى اليمنية الشمالية ودول الإقليم..!

بناء على ما سبق.. الوسائل والخطوات التي يستخدمها الحوثي لحماية نفسه وفرض مشروعه الإرهابي على الناس بالقوة في الشمال، ليس مناسبا في الجنوب..! وهذا طبيعي، لأن الانتقالي لا يشبه الحوثيين أصلا ولا البيئة التي يعيش فيها الحوثيين هي ذاتها التي لدى الإنتقالي.. ثمة فرق بين جماعة إرهابية وبين كيان يحمل مطالب سياسية ومجتمعية بغض النظر اتفقنا أو اختلفنا معها.

نهاية هذا النص نقول مجددا، إن الشماليين اليوم مع ما يقرره الجنوبيين فيما يخص الوحدة اليمنية، لكن أي خطوات لفرض الانفصال بالقوة وبهذه الطريقة وصنعاء تعاني يعني الفشل، وفوق ذلك تمكين الحوثيين من الشمال حتى وإن تحدثت قيادات الانتقالي عن أهمية تحرير صنعاء.. التصريحات الإعلامية شيء والواقع شيء آخر تماما.. وأي متابع حصيف يعرف جيدا أن ما يحدث يخدم الحوثيين وخيانة لليمنيين والأشقاء العرب.