زفرات "اليمن" الأخيرة:… على يد طحنون- عيدروس- طارق

الزفرات، (جمع زفرة) تعني النفس الطويل والممدود الذي يخرج من الصدر بسبب الحزن الشديد أو اللوعة أو الهم.

 

في الأندلس الزفرات الأخيرة" أو "زفرة المسلم الأخيرة" تشير إلى ممر جبلي بالقرب من غرناطة يُدعى puerto del Suspiro del Moro

وهو المكان الذي يقال إن آخر ملوك الأندلس، أبو عبدالله الصغير، نظر باتجاه غرناطة وودّعها من فوق حصانه بعد سقوطها بيد الممالك المسيحية عام ١٤٩٢ ميلادية.

 

تشرذمت الأندلس على يد ملوك الطوائف المسلمين، فافترستهم الممالك المسيحية، ومازال العرب والمسلمون يتنهدون ويطلقون الزفرات حتى الآن.

لا يوجد عربي يزور أسبانيا ولا يذهب إلى غرناطة ليتحسَّر ويطلق الزفرات ويتنهد..

 

والآن، قد تشرذمت اليمن على أيدي الحوثيين وإيران على أيدي الانفصاليين والعفاشيين والامارات،

… وجاء دورنا للتنهد وإطلاق الزفرات على يمننا ووطننا وربما يستمر هذا حتى يصل إلى أحفادنا.

 

**

أولا: زفرات اليمن والخرائط 

**

 

خريطة جديدة، تظهر كل يوم لتشرذمات اليمن، تطلق الزفرات من صدور أهلها مثل ذلك الملك الأندلسي وهو يلقي نظرة الوداع الأخيرة على غرناطة من فوق حصانه، ويطلق زفرته التي اشتهرت بكل لغات العالم.

هذه الخرائط هي الزفرة الأخيرة على اليمن.

 

تعدد الخرائط ليس ظاهرة تقنية، بل أحد أعراض مرض غياب الدولة لسنوات عديدة، وإطلاق صفارة النهاية لاضطرابات ال ١٥ عشر سنة الماضية.

اذا رسم مواطن سعودي أو مصري خريطة جديدة لبلاده، فإنه سوف يذهب إلى السجن خلال دقائق.

أما في اليمن،

كل جماعة ترسم، وتنشر، وتعمّم، وتتنافس على من يلون حدود اليمن بلونها الخاص مع ابتسامات استحسان من حلفاء… وأشقاء… وإيران.

 

عندما يتشكل “رأس سياسي سيادي واحد” متماسك—أي رئاسة صلبة، لها مشروع، وتعرف ماذا تريد—سوف تتوحد الخرائط تلقائيا.

 

الخرائط لا تتوحد بقرارات،

بل تتوحد عندما يتوحد القائد والمشروع.

 

زفرات وشهقات النَّزع الأخير

*

اليمن اليوم يشبه مريضا يذهب لخمسة أطباء، وكل واحد يعطيه تشخيصا مختلفا.

النتيجة؟

المريض تضيع حالته.

وهذا بالضبط ما يحدث مع الخرائط.

 

تشخيص حالة اليمن يختلف من يوم إلى يوم، ليس بسبب عدم براعة الطبيب ولكن لظهور تطورات وتدهورات جديدة كل يوم.

 

في موضوع اليوم سوف أبدأ بالإقرار بعظمة طحنون والإمارات في رسم الخرائط.

ثم انتقل إلى آخر التطورات.

 

عظمة طحنون والإمارات

*

طحنون، هو أشهر راسم خرائط في البلاد العربية.

طحنون، هو رئيس مخابرات الإمارات وأمهر راسم للخرائط في ليبيا والسودان واليمن.

وهو الذي أطلق إشارة الزحف على حضرموت.

 

يجب أن نقر أولا بإنجاز الإمارات العظيم لتحقيق انفصال الجنوب، لندرك ما الذي يحدث لنا.

ويمكن ترتيب الإنجاز في طبقتين: "ما قبل" و"أثناء" الزحف

 

**

ثانيا: التهيئة للزحف على حضرموت

**

 

١- التخطيط والإعداد:

هذا شغل خمس سنوات، والغالب أنه ابتدأ في ٢٠١٩ بعد "إعادة التموضع" وتسليم الحوثيين ١٠٠ كم على ساحل البحر الأحمر من الكيلو ١٦ في الحديدة حتى مشارف الخوخة بعد انسحاب القوات الجنوبية والعمالقة السلفية وعودتهم إلى عدن. ما قبل الزحف (التهيئة)

 

٢-هندسة البيئة السياسية في الجنوب

*

تفكيك عدن وإعادة تركيبها أمنيا وسياسيا.

بناء أحزمة أمنية ونخب وكتل اجتماعية موالية.

الفتك بحزب الإصلاح وطرده من الجنوب.

هذه الطبقات المتراكمة هي التي جعلت أحداث ال ١٠ الأيام الأخيرة ممكنة.

 

٣- صناعة تحالفات ذات ولاء طويل الأجل

توطيد ولاءات قوية مع الضالع ويافع وبناء قوات عميلة في المخاء على البحر الأحمر.

هناك شيئا لافت للنظر، وهو أن العلاقة بين الإمارات وعملائها امتن بكثير من تلك التي بين السعودية ومن يدورون في فلكها.

 

٤-فهم الإمارات لتناقضات السعودية

*

— رصد دقيق لصراعات المؤسسات السعودية وتضارب مراكز النفوذ.

— الاستفادة من عدم الإشراف الرفيع المستوى من قبل أمير، صاحب قرار، يتمتع بخفة الحركة، وعنده حس المبادرة، وتحت يده صلاحيات الغلاظة والفظاظة وضخ الأموال مثل ما هو الحال مع طحنون.

— اختيار اللحظات التي تكون فيها الرياض في أضعف حالاتها.

— استثمار الانشغال السعودي بملفات خارج اليمن.

 

٥- قرار مركزي موحّد في أبوظبي

*

— تفويض مطلق من رئيس الامارات محمد بن زايد لإبن أخيه طحنون بن سلطان بن زايد الذي يمارس مصارعة الجوجوتسو العنيفة، وأدخل سباقات القدرة عند الناشئين، وأجبر الإماراتيين على ممارسة الرياضة، وجعل التجنيد إجباريا على شباب الإمارات.

 

الاماراتيون، عندهم عقل واحد متشبع بروح العيفطة والفتونة والفتوة،

بينما السعوديون من أحلى الناس في الأدب وحسن السلوك والميل للصبر وانتظار ما ستؤول إليه الأمور بمرور الأيام.

وقد التقط رئيسنا هذه العدوى من اللطافة والصبر وآداب السلوك والمعاملة.

 

تعجبنا الدماثة واللطافة وحسن السلوك، ولكننا نتلوى ونتألم منها ونخسر وطنا ويجعلوننا نتحسر ونتنهد ونطلق الزفرات.

 

لا تعجبنا غلاظة الإماراتيين فهي تفقدنا الوطن ويدخلوننا في شهقات النزع الأخير من أنفاس اليمن.

 

الإمارات، مركز قرار واحد، رؤية واحدة، في مقابل شرعية عقيمة ومشتتة ودولة سعودية تتحرك بعشرة رؤوس، لا يملكون نفس خفة حركة طحنون ولا غلاظته وفظاظته.

 

٦- بناء “مسرح عمليات صديق

الجنوب بالكامل والمخاء في الشمال، تحول إلى بيئة آمنة وموالية للإمارات.

 

نفوذ الإمارات في حضرموت كان كبيرا، ولكن كانت مع السعودية أفكار ونوايا أخرى، فابتدأت الإمارات بإسراع الخطى للتعامل مع هذا التحدي.

حضرموت في ٣ ديسمبر كانت الحلقة الأخيرة في سلسلة بدأت منذ سنوات.

 

٧- التجنيد والتدريب والتأهيل النوعي

—سنين بعد سنين ودفعات بعد دفعات من شباب الضالع يلتحقون بكلية زايد العسكرية سنويا، وهؤلاء أصبحوا قادة القوة التي قادت الزحف على حضرموت.

وهذا مثال على عمل احترافي إماراتي طويل النفس لا يجاريهم فيه وينافسهم إلا الحوثيين والإيرانيين.

 

٨- الفشل البنيوي للسعودية والشرعية

*

البنية والهيكل Structure في جانبنا، خائس ومهترئ 

 

لا أحد يحترم أو يثق بأي أحد.

ضعف استخباراتي مزمن، لم يكن يلتقط استعدادات الإمارات وتهيئة مسرح العمليات ليوم الانفصال أو يلتقطها ولا يكترث.

كانت الإشارات واضحة وكنا نحن نلتقط تهيئة الإمارات للمسرح ونصيح، فينظرون إلينا ببلاهة أو مع التهوين وتَصَنُّع الحكمة فنبدو أننا نحن البلهاء.

 

وكانت قمة بلاهتهم وانعدام المخابرات والحس الأمني صارخة، عندما باغتهم عيدروس وطحنون يوم ٣ ديسمبر بالزحف إلى حضرموت.

 ولم نستوعب ما يحدث إلا بعد أن استولوا على الساحل والوادي في حضرموت وانطلقوا إلى محافظة المهرة.

 

**

ثالثا: مرحلة التنفيذ—الزحف إلى حضرموت

**

 

١- انتقام من ولي العهد على اهتمامه بالسودان

*

كانت الإمارات قد جهزت المسرح كاملا للانطلاق التي قد تقرر فيه انفصال الجنوب في أي وقت.

جرحت السعودية كبرياء الإمارات، عندما طلب ولي العهد السعودي من الرئيس الأمريكي، أن ينهي حرب السودان، فحسمت مسألة التوقيت عند طحنون.

 

طحنون، هو المايسترو والجوكر في حرب السودان.

 

قرر الإماراتي طحنون أن يخدش كبرياء ولي العهد السعودي بحيث يبدو توقيت إعلان انفصال الجنوب وانتزاع حضرموت من بين أصابع المملكة بطريقة تبدو أنها تصفية حساب على "فضالته" بشأن السودان.

 

٢- المباغتة الذكية – الضربة التي شلّت الخصوم

*

المباغتة في الحرب، هي لطمة تدوخ بالخصم وتفقده توازنه وانكشاف لهزالة القدرة المخابراتية للعدو.

بلاهة مخابرات الشرعية والسعودية، مائة بالمائة ١٠٠٪؜

 

٣- اختيار اللحظة السياسية المناسبة

*

أمريكا، تتخبط داخليا وخارجيا وغير مهتمة باليمن.

واليمن، قد أصبحت على رأس قائمة اهتمام اسرائيل التي تكره الحوثي وتستقبل إشارات الغزل من عيدروس.

 

ربما أن الطنطنات والدعايات بشأن النية لمحاربة الحوثي، من قبل عيدروس إنما هي إشارات غزل لإسرائيل.

والامارات، هي الدولة العربية صاحبة أمتن علاقة بإسرائيل.

 

وفوق كل هذا فقد تيقن جواسيس الامارات أن نفوذ السعودية في حضرموت هش، وأن إبن حبريش أكثر هشاشة.

… فقرر طحنون الضرب.

 

٣- اللوجستيات – العمود الفقري للحرب

*

الهواة، يتكلمون عن التكتيكات والاستراتيجيات بينما المحترفون يتكلمون عن اللوجستيات.

الزحف ب ١٠,٠٠٠ مقاتل من عدن والضالع، يدل على كفاءة في التجهيز وما يلزم من تخزين ونقل وتموين وإبرار ولوجستيات وخدمات طبية، هو العمود الفقري في الحرب.

 

٤- المال والحرب

*

إنفاق بسخاء طوال سنوات وتكاليف الزحف، يحتاج أموال.

وخزانة الإمارات عامرة لمثل هذه الأمور.

 

٥- الجاهزية المستدامة للقوات

*

قوات جاهزة طوال الوقت، منتظرة لحظة الإشارة، يظهر درجة احتراف وبذل جهد عالية.

.

٦- تفوق السلاح ونوعيته

*

قصفت قوات عيدروس خصومها من قوات بن حبريش في بترو مسيلة بالطائرات المسيرة وأنهت حياة ٤٠ مقاتلا خلال دقائق قليلة وحلت محلهم.

التفوق الناري الإماراتي، مطلق

 

٧- الفتك بقوات بن حبريش وقواته

*

تم التخلص من العمود الفقري لنفوذ السعودية في حضرموت أثناء وجود المسؤول المخابراتي السعودي عن ملف اليمن في المكلا.

انهار الكانتون السعودي أمام أعين المسؤول السعودي، الذي اكتفى بالشجب والاستنكار والإدانة.

 

٧- الفتك بالمنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت

*

أخبار متواترة عن مسرحية رغبة السعودية بإحلال قوات درع الوطن محل قوات المنطقة العسكرية الأولى، ولكنهم رفضوا فجابت لهم عيدروس.

عيدروس تلذذ بهذه الهدية ورفض تسليم المنطقة العسكرية الأولى للقوات الموالية للسعودية درع الوطن.

لن نسهب في هذا الموضوع هذا اليوم.

 

٨- الانضباط الإماراتي مقابل الفوضى السعودية

*

الإمارات تتحرك كجسد واحد، بينما السعودية السعودية تتحرك كأجهزة متنافسة وبأفكار غير متجانسة تنهار كلها عند أول اختبار على الأرض وقبل اختبارها في أي معركة.

 

٩- حرب بلا ضجيج

*

أنجزت الإمارات إحدى أكبر سقطات اليمن وانفصال الجنوب، بدون تصريحات وبلا تهديدات مسبقة.

… فقط عمل ميداني محكم.

 

**

رابعا: نظرة على العليمي والعرادة وطارق وعيدروس 

**

 

١- رشاد: اجراءات أحادية والسفراء

*

١)توصيف الرئيس 

الرئيس رشاد العليمي، استنكر تصرفات عيدروس وطالب بالعقاب على الانتهاكات ووصفها بأنها "إجراءات أحادية"؛

… ونحن قلنا هذا انقلاب مكتمل الأركان من نائب الرئيس عيدروس.

تصريح الرئيس، يلقي الضوء الساطع على رئيس بلا قوة حقيقية، ولا يتمتع بدعم حقيقي من حليفه السعودية، أمام قوة مسنودة من الإمارات.

 

٢)زفرات أخيرة أمام سفراء

بعدما عاد إلى الرياض، استدعى الرئيس ١٨ سفيرا ليقول لهم أنه ليس مستعدا لتقبل اللوم وحده على انتهاء اليمن، فإنني لا أظن أنهم كانوا يستمعون لما يقول بقدر انبهارهم بهذه اللحظة الفريدة التي يجلسون فيها على طاولة واحدة مع رئيس يطلق الزفرات الأخيرة على رئاسته وعلى نهاية خريطة بلاده.

 

يطلب من سفراء أجانب تحمل المسؤولية للحفاظ على وحدة اليمن، بينما هو لم يقاتل من أجلها.

 

٤)انفراط عقد مساعدي الرئيس

— كانت المفاجأة عندما رأيت أحد مساعدي الرئيس في صورة مع عضو رئاسة اليمن أبو زرعة المحرمي في قصر معاشيق في عدن، يُدوِّن على ورقة ما يقوله لوزير الداخلية "حيدان"، كما كان يفعل مع الرئيس رشاد العليمي في مقابلاته.

ثم قراءة خبر أن مدير مكتبه قد هجره وغادر إلى القاهرة.

تَبَخَّرَ الرجال من حول الرئيس.

 

٥)بانتظار الرئيس القوي

حديث شريف:

"المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ"

 

نحن نتمنى على الرئيس رشاد العليمي، أن يخرج بقوة لينادي اليمنيين أي يمنيين تحت رئاسته— شماليون وجنوبيون— مستعدون لحماية اليمن ولا يقنعون بمجرد إطلاق الزفرات الأخيرة.

اليمن التي تحت رئاسته مازال فيها الخير وسوف يجد من يلبي النداء، أما إذا أحسن الأداء فسوف تلتف كل اليمن حوله.

 

ولكني أعرف أن كل هذا أمر مستحيل.

سوف تظل اليمن دهورا وسنين بانتظار الحامي القوي الشجاع الأمين.

 

الحوثي، قوي ولكنه ليس بالرئيس الأمين الذي ينفع اليمن.

عيدروس، قوي ولكنه ليس بالرئيس الأمين وهو أصلا ينكر أنه من اليمن.

 

٢- سلطان: معارك جانبية

*

عاد نائب الرئيس سلطان العرادة إلى بلاده مارب، بعد غياب عام كامل، وصرح بأن استيلاء الضالع على حضرموت بعلى يد عيدروس، وبتخطيط وأمر من الإماراتي طحنون بأنها: "معارك جانبية"؛

 

هي في الحقيقة معركة عظمى تشرخ اليمن إلى: شمال وجنوب وتمحي خريطة اليمن.

 

العرادة أصبح نائب رئيس “محايد قسراً” في لحظة تستدعي الحسم.

هذا كاشف جديد يلقي الضوء على هشاشة مؤسسة الرئاسة اليمنية وعلى الحليف السعودي أمام قوة واحدة موحدة (الانتقالي + الإمارات).

 

٣- طارق: ترتيب المسرح

*

نائب الرئيس طارق صالح، وصف زحف عيدروس إلى حضرموت أنها: "إعادة ترتيب مسرح عمليات".

 

حلم طارق الكبير منذ ٧ ابريل ٢٠٢٢، هو مطار وميناء كبير في المخاء والقيام بالبسط على أراضي مناطق الحجرية وعاصمة المحافظة مدينة تعز.

وقد وضع طارق نخب وأعيان تعز في جيبه بفضل فلوس الإمارات.

 

ولم يبق إلا يافطة: "إعادة ترتيب مسرح العمليات".

 

بهذا سوف يكون تحت يده كثافة سكانية كبيرة خانعة وأكثر وأكبر مما مع أي أمير لأي دولة خليجية.

 

الذي يخطط لطارق ويزوده بالمال، هو أشطر راسم خرائط جديدة للدول وهو نفس الأسطى والمُعَلِّم الذي يدير عيدروس: الإماراتي طحنون.

 

٤- عيدروس: النصر والثقة والفخر

*

عندما سألوا عيدروس: "ولكن السعودية لا ترضى عن سيطرتك على حضرموت؟"

رد قائلا: "شعب الجنوب هو من يقرر ما يكون في حضرموت".

هذه ثقة وجرأة غير معهودة ولا مسبوقة.

 

الرجل لا يكترث بما تريده بالسعودية.

أو أنه يعرف ما تريده السعودية أكثر منا.

 

الرجل، واثق من ولاء رجال الضالع ويافع، ومن قوته وسلاحه وفلوسه على الأرض، ومن صلابة موقف أبو ظبي.

 

عيدروس، يلتهم حضرموت بسهولة، بعد أن خَلَت اليمن (وحتى الجنوب) من الحامي القوي الشجاع الأمين.

 

"خلا لك الجو فبيضي واصفري"

*

الشاعر طَرَفَة بن العبد من القرن الميلادي السادس، كان مع عمه في سَفَر وهو صبي، فنزلوا على ماء، فذهب طَرَفة بفُخَيخ له فنصبه للقَنَابر، وبقي طوال اليوم بدون أن يصيد شيئا يومه ثم حمل فخه ورجع إلى عمه وبعدها ألقى نظرة من بعيد فرأى القنابر ينقرن ويَلْقطْنَ ما نثر لهن من الحبِّ، فقال:

 

‎يا لك من قنبَرَةٍ بمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي

 

‎وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أن تُنَقِّرِي ... قَدْ رَحَلَ الصيادُ عنك فابْشِرِي

 

وَرُفِعَ الفَخُّ فمَاذَا تَحْذَرِي ... لا بُدَّ من صيدك يوماُ فاصْبِرِي 

 

الزمن وحده سيخبرنا عن من سوف يصطاد عيدروس بعد أن استولى على حضرموت.

 

هذه بلاد تتقلب أحوالها من أي حال إلى النقيض، كل سنتين أو كل عشر سنين، من داخلها أو بفعل جيرانها.

 

**

خامسا: زيارة طارق للسعودية

**

 

سافر طارق صالح إلى الرياض، ولم يخبرنا أي أحد أي شيئ .

لماذا ذهب طارق إلى الرياض؟

هل أرسله الشيخ طحنون لطمأنة السعوديين، وليقبلوا سيطرة الإمارات على حضرموت؟

هل طلبه السعوديون لمحاولة إقناع عيدروس بالانسحاب من حضرموت؟

من هو المسؤول السعودي الذي قابله؟

هل ألقى زيارة الوداع الأخيرة للرئيس رشاد العليمي؟

 

كل الذي نعرفه، هو طنطنة إعلامية هائلة من قناة الجمهورية التابعة لطارق ومن قناة عدن التابعة لعيدروس، عن العلاقة الحميمة بين القائدين العظيمين وعن تعهدهما بمحاربة الحوثيين والقاعدة.

عادة يذكرون محاربة الإخوان، ولكني لم أسمعها هذا اليوم.

 

تأييد طارق لعيدروس واضح

*

القاسم المشترك: هو المركز الذي يديرهما معا: الشيخ طحنون في الإمارات.

طارق لا يقول أن ما ينفذه عيدروس إنما هو انفصال الجنوب.

طارق يسميه "إعادة ترتيب مسرح عمليات" لمحاربة الحوثيين.

 

ويحلم طارق بأن الخطوة التالية، هي أن يعيد طحنون ترتيب مسرح العمليات في المخاء، بالزحف على الحجرية بطريقة مماثلة للزحف العيدروسي على حضرموت.

 

**

سادسا: كيف نراقب الوضع اليوم وغدا؟

**

 

عيدروس، واثق من نفسه ومصمم على بسط سيطرته على كل الجنوب بالقوة.

 

عيدروس، واثق بأن السعودية والمواليين لها من قوات درع الوطن أو من قوات بن حبريش لا تستطيع الصمود أمامه.

 

عيدروس، واثق أن السعودية لن تحاصره ولن تقصفه بالطيران.

 

غضب الإعلام السعودي

*

ظهر معنا عامل جديد، يوم أمس، وهو غضب الإعلام السعودي من حركات عيدروس الزبيدي والتحرك نحو الانفصال.

كنا نراقب الإعلام السعودي بحرص لنستنتج مواقف السعودية، ولكن بعد الانتكاسات في الشهور الأخيرة، صرنا نتابع ما يقوله إعلاميوها بحذر أو بعدم اهتمام.

 

الصحافة والإعلام السعودي، قد زاد حماسه اليوم بضرورة خروج قوات عيدروس الزبيدي من حضرموت والمهرة.

ونحن لم نعد على يقين مما يمكن أن تفعله السعودية أو أن تتركه، لأنها تقول أشياء كثيرة ولا يصح منها شيئا.

 

سوف نراقب غدا وكل يوم تقلبات السعودية فيما سوف تفعله أو تتركه.

 

**

سابعا: أسئلة شائعة بين اليمنيين

**

 

١- أليس من حق أي جنوبي أن بحلم بالانفصال؟

*

نعم، من حقه.

من حقه أن يحلم وأن يطلب وأن يصيح مطالبا بالانفصال، ولكن ليس من حقه أن يتجاهل رفض الجنوبيين الآخرين، ولا أن بستعمل السلاح، ولا أن يستعين بدولة أجنبية.

 

وهو نفس الحق لأي حوثي.

ونفس الحق يمكن أن يحلم به أي حوثي بأن معه هدية "أرض الميعاد" بحكم اليمنيين التي جاءت من السماء، ولكن ليس من حقه أن يتجاهل رفض اليمنيين الآخرين، ولا أن يستعمل السلاح، ولا أن يستعين بدولة أجنبية.

 

٢- هل سوء الانفصاليين هو بنفس درجة سوء الحوثيين؟

*

نعم، نفس السوء.

نعم، إذا كان المعيار هو الناس واليمن.

الناس، يحتاجون أن بيعيشوا في ظل الأمن والسلام والمساواة.

اليمن، تحتاج سلامة ووحدة أراضيها وجزرها مع الاستقرار والإزدهار والإعمار.

 

إذا كانت اليمن غير مهمة والناس غير مهمين، فيمكن أن يكون معنا "حوثيون" و "انفصاليون" و "كانتونات" و "إعادة ترتيب مسارح عمليات".

 

إذا كانت اليمن مهمة والناس مهمون، فالحوثيون بنفس سوء الانفصاليين.

… والانفصاليون بنفس سوء الحوثيين.

… والكانتونات بنفس سوء الانفصاليين والحوثيين.

 

٣- وماذا عن السعودية؟ أليست مثل الإمارات؟

*

هناك أكثر من مليون مغترب يمني داخل السعودية.

هناك أمور تقلق السعوديين منا، وهناك أمور تقلقنا من السعوديين.

وهذا يحدث بين كل الدول المجاورة.

 

في الوقت الحاضر، اليمن منكوبة وتحتاج مساعدة السعودية.

 

في المستقبل، العلاقة بين اليمنيين والسعوديين تحتاج إلى ضبط الإعدادات وتأمين مخاوف البلدين.

 

أنا، لا يناسبني أن نعامل السعودية مثلما نعامل الإمارات أو إيران.

وكذلك معظم اليمنيين الذين تتشابك مصالحهم وروابط وشائج القربى مع السعودية.

 

أنا أقر بأن هناك مشكلة بين في العلاقة الحالية بين اليمن والسعودية، ولكنها تبقى مجرد مشاكل مثلما يحدث بين الإخوة داخل الأسرة الواحدة أو الجيران، أو الأغنياء والفقراء؛ بمكن التعامل معها والتغلب عليها.

 

٤- وماذا عن حزب الإصلاح؟ وهل هم إخوان؟ وهل يجب معاداتهم؟

*

حزب الإصلاح يقولون، أنهم ليسوا إخوان، وأنا أقول بأنه لا بجوز إقامة محاكم التفتيش في ضمائر الناس.

وأريد أن أعرف ماذا فعلوا مما لم بفعله غيرهم لتجوز معاقبتهم.

 

خاتمة

*

الزفرات على اليمن تتزايد وأعداد الخرائط التي يرسمونها لليمن تتكاثر.

وسوف نستمر بمراقبة ما يحدث لليمن من مصائب وزفرات وخرائط، هذا اليوم، وغدا، وكل يوم.