تصاعدت الاتهامات المتبادلة بين قيادات جماعة الحوثي الإرهابية مؤخرا، لتكشف عن سلسلة منظمة من الأدوات اللاأخلاقية (شبكات دعارة) وظفها الحوثيون كسلاح سياسي وأمني، بما يمثل دليلاً وجود شبكة نائمة متداخلة تعمل على استدراج قيادات قبلية وسياسية وأمنية، لتصويرهم وابتزازهم، لضمان إخضاعهم لسلطتها أو تصفيتهم سياسياً أو إخراجهم من معادلة النفوذ.
هذه الآلية التي انتهجها الحوثيون لا تعمل بمعزل عن بنيتهم التنظيمية، فهناك أدلة بأنها تتقاطع مع أجهزة الأمن والاستخبارات، وتُستخدم كأداة لجعل الولاء مطلقاً للجماعة، في وقت تتحدث فيه عن التمسك بالقيم والدعوة إلى الجهاد في خطاباتها الرسمية.
الأمر ذاته، أكده فريق الخبراء المعني باليمن والتابع لمجلس الأمن الدولي في تقاريره للأعوام الأخيرة، إذ لم يقتصر ذلك على توظيف الدعارة كسلاح للابتزاز وإخضاع الخصوم، بل تجاوزه إلى انتهاكات جسيمة واغتصابات مستمرة في المعتقلات السرية.
أداة ابتزاز
برزت أمام الرأي العام شهادات محلية وتقارير دولية تكشف عن استخدام منظَّم لشبكات الدعارة وتوظيفها لإسقاط خصوم وإسكات معارضين داخل صفوها، وأبرزها الاتهامات التي ساقها القيادي المنشق عن الحوثيين عبدالرقيب معوضة، في محاولة لكشف شبكة متداخلة تعمل داخل مناطق سيطرة الجماعة وتصل أحياناً إلى مناطق خارج سيطرتها.
يصف معوضة شبكة تشكلت من فروع متداخلة جمعت بين إعلاميين وتجار وقيادات حوثية، وذكر بالاسم مدير قناة الهوية محمد العماد، الذي قال إنه يستدرج القيادات إلى غرف وفنادق مزوَّدة بكاميرات، لهدف تكوين مخزون من الأدلة اللاأخلاقية كابتزاز يُستخدم سياسيّاً وأمنياً.
وذهب معوضة إلى أبعد من ذلك، محاولاً نسج خيوط تربط هذه الشبكات بقيادات محلية، حتى أنه لمح إلى وجود أذرع متورطة تقود عمليات اغتيال في صنعاء لتهديد كل من يهدد تسلسلها.
وهذه الادعاءات ليست جديدة؛ فقد رصدت منظمات حقوقية ودولية خلال السنوات الماضية حالات اختطاف وتهم ملفّقة بالدعارة، ودوائر حوثية قادت إعلانات عن ضبط "شبكات دعارة" داخل مناطق الجماعة، لكن كثيراً من هذه الوقائع قُوبلت بتساؤلات حول واقعيتها ومن يقف خلفها وكيف تُستخدم سياسياً.
التقارير وثقت أن بعض هذه الملفات استخدمت للتغطية على عمليات اختطاف أو تهميش ضحايا، وأن ثمة استثماراً ممنهجاً لقضايا لا أخلاقية لصالح أجهزة نفوذ داخل جماعة الحوثي.
كما ربطت تقارير صحفية، مقتل إبراهيم بدر الدين الحوثي شقيق زعيم الجماعة، بظروف غامضة داخل أحد المنازل التابعة لشبكة الدعارة، وهو ما يشير إلى وجود خلافات داخلية للأجنحة الحوثية وصل بها الأمر إلى تصفية شقيق عبدالملك الحوثي.
وما يكشف عنه تدفق التسجيلات هو أن جناح من الجماعة يصطدم مع جناح آخر وتتسرب فضائح كان يُفترض أن تبقى مخفية، وهذا الانكشاف لا يقل أهمية عن أي الهزيمة العسكرية، لأنه يضرب رواية الادعاءات التي تبني عليها الجماعة سلطتها.
لأن التوصيف الأخطر ليس فقط وجود "شبكات الدعارة" هذه، وإنما أن هذه الشبكات تُستخدم كسلاح لإخضاع قيادات قبلية ومحافظين ومدراء أمن ومدراء عموم، أي سلطة الحوثيين قائمة على الابتزاز والفضائح المنظمة وباتت الولاءات الحوثية خاضعة لهذه الخطة.
إدارة الخلايا
كشفت معلومات خاصة حصل عليها "المجهر" عن تورط قيادات حوثية بارزة في إدارة خلايا وشبكات دعارة منظمة تُدار بسرية تامة وتحت غطاء أمني وإعلامي مشدّد، في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.
وبحسب مصدر موثوق تربطه صلات مباشرة بعناصر داخل تلك الشبكات، فإن الضجة الإعلامية الأخيرة التي أثارتها شخصيات حوثية عبر منصاتها الرسمية ومنهم المنشق عبدالرقيب معوضة، لم تكن سوى محاولة فاشلة لصرف أنظار الرأي العام عن الفضيحة، عبر تسريب صور مفبركة ومسرحيات إعلامية هزيلة تهدف إلى تضليل المواطنين والتستر على الفساد الأخلاقي الحقيقي.
أفصح المصدر عن قائمة تضم أسماء قيادات حوثية نافذة في الصف الأول على رأسهم، عبدالحكيم الخيواني رئيس جهاز الأمن والمخابرات للحوثيين، ونائبه عبدالقادر الشامي، ووزير النقل السابق في حكومة الحوثيين عامر المراني، والقيادي أحمد الشامي، ورجل الأعمال صالح الحاشدي، والقيادي عبدالسلام المداني، ورجل الأعمال عبدالباسط الغرباني المُكنى (أبو كهلان).
وأكد استعداده لكشف قائمة واسعة بأسماء المتورطين الذين يشكلون الهيكل الأساسي لتلك الشبكات، مشيراً إلى امتلاكه أدلة موثقة وملفات معلوماتية لإدارة شبكات الدعارة من داخل صنعاء وتصديرها للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وإلى المناطق المحررة، موضحاً أن نشر الوثائق والأدلة سيكون الخطوة التالية في فضح ما وصفها بـ"أكبر شبكة فساد أخلاقي" تديرها الجماعة.
تجنيد الشبكة
قبل نحو أربع سنوات، كان النائب عبده بشر قد كشف أمام البرلمان الحوثي بصنعاء عن ملفات دعارة تديرها الجماعة نفسها، مشيراً إلى وجود سجون سرّية وأنشطة مشبوهة حولت العاصمة المختطفة إلى وكر منظم للدعارة السياسية.
وقال بشر إن الوالي هو من يأمر بتجنيد النساء للإيقاع بأعضاء الحكومة ومجلس النواب والمجلس السياسي، متهماً قيادات عليا بالإشراف على هذه العمليات عبر شبكة يقودها القيادي سلطان زابن.
ولم تمضِ سوى أشهر حتى أدرجت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة اسم زابن في قائمة العقوبات بتهم تتعلق باغتصاب النساء وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما يؤكد بحسب مراقبين، أن جماعة الحوثي حوّلت أجهزة الأمن إلى أدوات للابتزاز الجنسي والهيمنة.
وكشف تقرير فريق الخبراء الأممي المعني باليمن لعام 2025م عن تورط "الزينبيات"، الجهاز النسائي التابع لجماعة الحوثي، في جرائم جنسية خطيرة وتعذيب محتجزات.
وأضاف أن العنصر النسائي للحوثيين يتولى حراسة الضحايا وتجهيزهن لتسليمهن لعناصر حوثية للقيام باغتصابهن تحت ذرائع دينية مثل "التطهير" و"الزواج من آل البيت لاستعادة الشرف".
وأشار التقرير إلى أن الضحايا يتعرضن أيضاً للتعذيب والضرب إذا رفضن، وأن العديد منهن يُستغل لاحقًا في أعمال تجسس لصالح الجماعة بعد الإفراج عنهن، في مشهد يكشف عمق الانحراف الأخلاقي داخل الأجهزة النسائية والذكورية للجماعة.
صراع داخلي
ظهرت تسجيلات على مواقع التواصل الاجتماعي لقيادات وإعلاميين حوثيين، لتبادل الاتهامات عن التورط بشبكات دعارة وأدوات ابتزاز أخلاقي تُدار بسرية تحت غطاء أمني وإعلامي، إلى جانب تورط الأجهزة النسائية التابعة للجماعة، المعروفة باسم "الزينبيات"، في جرائم جنسية وتعذيب ممنهجة بحق محتجزات.
هاجم القيادي الحوثي محمد الجرموزي في تسجيل مرئي الإعلامي والقيادي السابق عبدالرقيب معوضة، بعد كشفه لشبكات الدعارة داخل الجماعة، ووصفه بأنه أداة لـ"طارق عفاش" ومرتبطة بالقيادي محمد العماد، زاعماً أن كشفه للفضائح يهدف إلى تشويش معركته الإعلامية مع علي الضبيبي.
التسجيل الذي ظهر به الجرموزي مؤخراً يكشف عن خلافات حادة داخل الجماعة نفسها، حيث يتم استخدام هذه الفضائح والأدوات الأخلاقية كوسيلة للضغط والتصفية الداخلية بين الأجنحة المختلفة.
وعلى خلفية تسريبات معوضة، خرج محمد العماد أيضاً بتسجيل مرئي، حيث أنكر وجود فيديوهات مخلة بحوزة معوضة، لكنه كشف عن منزل مزود ببوابتين وكاميرات للتصوير السري للقيادات في حي السبعين بصنعاء.
وتابع: "اسألوا عبدالله المغربي الذي كان في حدة.. اللابتوب الذي صور الوزير فلان والمسؤول فلان.. الحقيقة أنه يحتوي على مواد من 'ليالي حمراء'."
وحاول العماد التهرب من الانكشافات، مؤكدًا أن القيادات تُبيع ولائها لعبدالملك ولا تحتاج لأدوات ضغط، في محاولة واضحة للتقليل من حجم الفضيحة التي كشفها معوضة.
في المقابل، خرج علي البخيتي القيادي السابق في الجماعة، ليُدافع عن بعض القيادات المتورطة، واصفاً ما يُقال بأنه ادعاءات كاذبة لا تستند لأدلة، مع تقديمه مكافأة مالية للتأكد من صحة أي فيديو التي يدعي معوضة أنها بحوزته.
وتشير كل هذه التقاذفات بين قيادات وإعلاميين حوثيين إلى محاولة الأجنحة المتباينة داخل الجماعة حماية مصالحها وسط فضائح مكشوفة.
صراع علني
الأسبوع الماضي، اندلعت خلافات علنية بين الشاعر الحوثي المعروف محمد الجرموزي والقياديين عبدالسلام جحاف وعلي الضبيبي، وصل إلى تبادل اتهامات خطيرة تتعلق بالأعراض وتشكيل شبكات دعارة داخل العاصمة.
في مقاطع مصوّرة تداولها ناشطون على نطاق واسع، ظهر الجرموزي متحدثاً بصراحة عن فساد أخلاقي مستشر داخل الجماعة، مدعياً أن لديه إذنا من القيادة العليا لفضح المتورطين.
وردّ الضبيبي بتهديد علني، متوعداً الجرموزي بالعقاب وعدم الإفلات من المحاسبة، وهو ما حول هذه المكاشفات إلى أزمة أخلاقية هزَّت صورة الجماعة بين أنصارها، الذين يرون في تبادل الاتهامات المتعلقة بـ"العِرض والشرف" انهياراً أخلاقياً غير مسبوق لجماعة تدّعي الطهر الإيماني.
وفي الحديدة كشفت الأسبوع الماضي، مستندات قضائية صادرة عن نيابة الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، عن تورط القيادي عبدالملك محمد عياش قحيم عضو جهاز الأمن والمخابرات، وشقيقه منصر قحيم، في إدارة شبكة دعارة منظمة وعمليات ابتزاز داخل المحافظة.
ووفقًا لوثائق التحقيق، تضم الشبكة عشرات الفتيات والشباب، بينهم مرافِقون لقحيم وأبناء قيادات حوثية، كانت مهمتهم استدراج الوافدين إلى شاليهات وفنادق ثم ابتزازهم ماليًا أو إجبارهم على العمل لصالح الجماعة.
وتضمنت التحقيقات أسماء شخصيات أمنية أخرى متورطة في نفس الأنشطة، من بينها عبدالمجيد محمد درمان أحد عناصر استخبارات الشرطة الحوثية، المتهم بممارسة الابتزاز الجنسي بحق الفتيات، عبر استخدام النفوذ لممارسة الانحراف الأخلاقي على حساب كرامة المواطنين.
دعاية حوثية
قبل أن تتحوّل هذه العمليات إلى ظاهرة واسعة، روّج الحوثيون لما أسموه "الحرب الناعمة"، زاعمين أنها تستهدف نشر الدعارة والإفساد بين الشباب، ووجّه عبدالملك الحوثي أتباعه بمواجهة هذه الحرب في الجامعات والمدارس والمساجد والمناسبات، متهماً دول الخليج بالوقوف وراءها.
وفي خطابات لاحقة، كرّر زعيم الجماعة مزاعم عن شبكات للإفساد المنظم، واستهداف الشباب في الدعارة والرذيلة، لكن التحليلات الحقوقية تشير إلى أن هذه المزاعم كانت ذريعة لتبرير عمليات اختطاف وتعذيب النساء، وغطاء لتوسيع السيطرة على المجتمع، حيث أعلن الحوثيون لاحقًا عن ضبط 73 خلية دعارة، منها 45 شبكة، معظم أفرادها من النساء المختطفات، دون أي ذكر لذكور، مما يفند مزاعم الجماعة ويؤكد استغلال النساء كأداة للهيمنة والابتزاز.
يشير تقرير صادر عن "منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان"، إلى ممارسات تعذيب ومعاملة قاسية واتهامات ملفقة تمس الشرف، وصولًا إلى انتهاك أعراض بعض النساء، والتحرّش والاغتصاب، وأحيانًا دفع البعض للانتحار أو التصفية الجسدية باسم غسل العار.
كما وثقت منظمة سام احتجاز تعرض النساء للابتزاز النفسي والجسدي قبل توزيعهن على النيابات العامة تحت تهم "ممارسة الدعارة"، ما يعكس استغلالهن وإخضاعهن للابتزاز الجنسي والسياسي.
وكشف تقرير حديث لتحالف النساء من أجل السلام في اليمن عن 1893 واقعة اختطاف وتعذيب واغتصاب ضد النساء، بينهم قاصرات، في سجون المباحث الجنائية والأمن والمخابرات التابعة للجماعة.
وأوضح التحالف أن السجون شهدت 504 حالات احتجاز في السجن المركزي بصنعاء، و204 فتيات قاصرات بين 12 و18 عامًا، و283 حالة إخفاء قسري في سجون سرية، و193 حكمًا غير قانوني، بينها اتهامات بتكوين شبكات دعارة والحرب الناعمة.
وأضاف التقرير أن الانتهاكات تراوحت بين نفسية واجتماعية واقتصادية وجسدية، شملت القتل وتلفيق التهم، وإصدار أحكام بالإعدام، واستغلال المختطفات في أعمال تجسس لصالح الجماعة أو الانضمام إلى كتائب الزينبيات.
وأشار التقرير إلى أن بعض المختطفات أُجبرن على الزواج القسري من قيادات حوثية، أو العمل لصالح الجماعة في المؤسسات الحكومية، وأُخضعن لعقوبات جسدية ونفسية، وأن الإعلان عن ضبط شبكات الدعارة كان ذريعة لتدمير مكانة وحياة النساء المختطفات في مجتمع محافظ، وإخضاعهن للسيطرة التامة.
كما تم استغلال بعض المختطفات لتنفيذ مهام خاصة بالمقايضة مع إطلاق سراحهن، وممارسة التجسس لصالح الجماعة، في حين لم تنجُ حتى موظفات المؤسسات من عمليات الاختطاف والاحتجاز.
تابع المجهر نت على X
