عن دور المخلوع صالح ورجاله والتحالف في المآلات الكارثية الراهنة

صباح هذا اليوم شهدنا وصول عدد من عربات الدفع الرباعي التي تحمل عناصر مسلحة إلى مدينة الغيضة، وسط أنباء عن انسحاب قوات درع الوطن السعودية. مشهد يلخص بوضوح طبيعة المهمة التي يقوم بها رئيس اللجنة السعودية الخاصة اللواء الدكتور محمد عبيد القحطاني في المكلا، الذي رشح عن مهمته أنها تنصب حول عودة القوات الآتية من المثلث الجنوبي الغربي، وتمكين القوات الحضرمية من السيطرة على المحافظة.

 

كان اعتراض أبناء المهرة المحسوبين على سلطنة عمان قوياً على وجود قوات درع الوطن التي تأسست تحت إشراف السعودية وبتمويلها وتشكلت من عناصر معظمها سلفية. وتبين أن هذه القوات لم تكن تحدياً طائفياً كما جرى وصفها قبل نحو عام تقريباً، بقدر ما تثبت اليوم أنها أخطر من ذلك بكثير، فهي تحدي جيوسياسي لأنها جزء من مخطط تفكيك وتقسيم اليمن.

 

هذه القوات تنسحب من مواقعها في حضرموت وستنسحب من كل المناطق التي انتشرت فيها، وربما اندمجت ضمن الكيان العسكري الانفصالي الجديد، وحينها سيكون هذا الدمج تعزيزاً قوياً للكيان الانفصالي، ولن يتم ذلك تحت الأضواء بالطبع.

 

إغراق المشهد السياسي والإعلامي حول قضية من هي القوة التي لها الحق في الانتشار بحضرموت، هل هي القوات الحضرمية أم تلك الآتية من المثلث، هو عبث مقصود، الهدف منه جعل هذه المفردات تتسرب بكل هدوء إلى وعي اليمنيين فيجري التطبيع معها، لأنها تعمل بشكل متعمد على طمس هوية الدولة اليمنية والجمهورية اليمنية وسيادتها الحصرية على امتلاك أدوات القوة، من الذاكرة الجمعية لليمنيين وتجعلهم يتعايشون مع الوقائع الجهوية الجديدة، رغم أن الدولة اليمنية لا يزال لديها رأس وشخصية دولية وشعب محبوس ومكبل بقيود الحاجة والفقر وانعدام الإمكانيات والتي تتعارض مع قدرته المليونية الهائلة على حماية الجغرافيا ومواجهة الأقلية العميلة التي تنهش في جسد الدولة اليمنية وتنفذ المخططات الإقليمية بكل حماس.

 

الوحدة اليمنية هي المنجز الوحيد الذي تحقق بإرادة اليمنيين وبحماسهم، لكنها أيضاً لم تكن مقبولة لا من السعودية ولا من الإمارات، قبل أكثر من ثلاثة عقود، وليست مقبولة اليوم. الدول التي تصرفت بمسؤولية تجاه الجمهورية اليمنية ودعمت حقها في الوجود، دفعت أثماناً باهظة وتم تهديد وجودها والكل يعلم ذلك. 

 

لم يكن علي عبد الله صالح جديراً بشرف تحقيق الوحدة، ومن سوء حظنا أنه كان الرئيس الذي وضعته اللجنة الخاصة السعودية العام 1978 على رأس السلطة في شمال اليمن، وفيه ما فيه من الصفات الرديئة والسلوك المشين. ولم يكن ذلك الرئيس ليتصرف طيلة فترة حكمه، إلا بتأثير عقدة النقص وبوحي من هذا الشعور بعدم الجدارة وبالحاجة إلى شحت المكانة السياسية والدعم المالي من الجار الغني ورهن اليمن لإرادة هذا الجار ونفوذه، ولذلك حظي بنهاية سيئة، لم تكن سوى محصلة طبيعية لأدواره الكارثية.

 

يتحمل علي عبد الله صالح المسؤولية الكاملة عن هذا المآل الوطني البائس، فهو الذي حطم الجمهورية على رؤوس الجميع، عندما سلم الدولة و"مخزن عفاش الذي يعجبك" من الأسلحة إلى جماعة طائفية حاقدة، وساعد بقوة في وصولها إلى صنعاء، مفسحاً المجال لقطعان المرتزقة من كل المشاريع السياسية بأن يتسيدوا على المشهد الوطني. 

 

سيناريو تفكيك الدولة استند إلى إراداتين موتورتين وشخصيتين حاقدتين هما: علي عبد الله صالح وخليفته الكارثي اللئيم عبد ربه منصور هادي. ونُفذ السيناريو بدعم إقليمي سخي وحظي بضخ إعلامي تحريضي وسع الهوة بين الأطياف السياسية اليمنية، واستطاع أن يخلق عدواً مشتركاً مثالياً هو "الإخوان"، وبذريعة محاربة هذا العدو توحد الحوثة، والعفاشيين، والانفصاليين والقوميين واليساريين، وعملوا معاً على تهيئة الأرضية لازدهار المشروع الانفصالي والتبرير له، وتمكين الحوثة الطائفيين، واستزراع المشروع السلطوي العفاشي من جديد في المخا.

 

لم يكن الجميع بحاجة إلى قوة خارقة لتفكيك اليمن، فقد مضى الأمر بسهولة، فالحوثيون وصلوا إلى صنعاء تحت الإشراف المباشر للرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي وبدعم من القوات الموالية لصالح، وبتغطية ومباركة القوى الغربية والإقليمية، فبعد سقوط عمران بعد صمود أسطوري يتيم للواء 310 بقيادة البلط اللواء المغدور حميد القشيبي، وبمؤازرة عشرات الشباب الغيورين من كل اليمن، لم تكن هناك معركة تُذكر استدعتها سيطرة الحوثة على صنعاء، بل أن معسكرات الدولة في كل المحافظات وُضعت تحت تصرف الحوثة.

 

اليوم عملية الاستحواذ الكامل على المحافظات الجنوبية من قبل قوات المجلس الانتقالي تتم بنفس التكتيك والتغطية. وما يجري اليوم هو استكمال تأسيس الأمر الواقع الذي جرى الاستثمار في بنائه سنوات بمال التحالف وتغطيته السياسية وسلاحه.. ليس هناك قوة جنوبية تستطيع أن تحقق ما يتحقق اليوم بدون التحالف.

 

ومن المعيب أن يستمر بعض المتكسبين المحسوبين ظاهرياً على الجهورية اليمنية في التبرير لما يجري اليوم في جنوب البلاد، وخلق الذرائع التي تشتت الوعي الوطني وسلب اليمنيين قدرتهم على التفكير. وبكل بساطة أقول إن علي عبد الله صالح الذي أفرغ الوحدة اليمنية من مضمونها، يواصل أبناؤه اليوم مهمة محوها من الوجود بالتنسيق الواضح والصريح مع الانفصاليين.