تصعيد الحوثيين في تعز.. تحركات مكثفة لإعادة رسم خارطة النفوذ جنوب غرب اليمن (تقرير خاص)

تصعيد الحوثيين في تعز.. تحركات مكثفة لإعادة رسم خارطة النفوذ جنوب غرب اليمن (تقرير خاص)

تشهد محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، تصعيدا عسكريا متدرجا من قبل جماعة الحوثي الإرهابية، وصل ذروته خلال الأسابيع الأخيرة، ما يطرح تساؤلات عن أهداف الجماعة الميدانية والسياسية، ومدى ارتباطها بالتحولات الإقليمية الأخيرة.

وتُعد التحركات الحوثية الأخيرة حول جبهات المدينة وريفها مؤشرا على إعادة رسم خارطة النفوذ المحلي بأبعادها الإقليمية، في وقت تمر فيه القوات الحكومية بمراحل حرجة على المستويين العسكري والسياسي، إلى جانب نقص الإمدادات وانقطاع المرتبات لأربعة أشهر.

وعلى الصعيد الإعلامي، تسعى جماعة الحوثي إلى استهداف المعنويات داخل صفوف الجيش الوطني والمقاومة في تعز، مستغلة حملات التشويه والتحريض الممنهجة التي يتعرضان لها خلال هذه الفترة.

ورغم كل هذه الضغوط التي يتعرض لها الجيش الوطني، إلا أنه أظهر خلال الأيام الماضية مقاومة ميدانية صلبة في وجه الحوثي، وهو ما يجعل تعز خط الدفاع الأهم عن المناطق المحررة، ومفتاحاً حاسماً لمستقبل الصراع في اليمن.

 

تصعيد ميداني

 

منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، شهدت جبهات محافظة تعز تصعيداً متزايداً من قبل الحوثيين، تخلله عدة مواجهات وقصف مدفعي، في محاولات فاشلة للتسلل وزرع عبوات ناسفة، حيث تركزت الاشتباكات في شرق وشمال شرق المدينة، ومناطق الريف الشمالي والشمالي الشرقي بمديريات ماوية والتعزية ومخلاف شرعب، إضافة إلى جبهة العنين بمديرية جبل حبشي غرب المدينة.

وأفاد المركز الإعلامي لمحور تعز، بأن الجيش الوطني أحبط عدة محاولات تسلل حوثية، أبرزها في جبهة التشريفات شرق المدينة، حيث تم القضاء على العناصر أثناء محاولتها زرع عبوات ناسفة.

وأوضح المركز إن اشتباكات عنيفة اندلعت إثر هذه المحاولات في وادي صالة وعقبة منيف، وأسفرت عن مقتل وإصابة عدد من الجنود، بالإضافة إلى مقتل جنديين من اللواء 170 دفاع جوي في جبهة كلابة شمال شرق المدينة نتيجة عبوات ناسفة وقصف مدفعي.

وفي جبهة العنين، رصد الجيش تحركات غير اعتيادية للجماعة واستحداث مواقع جديدة، فاستهدفتها المدفعية بنيران مركزة، ما أسفر عن إصابات في صفوف الحوثيين.

وبحسب إعلام المحور، فقد قُتل أربعة من عناصر الحوثيين وأصيب ثمانية آخرون، مقابل مقتل وجرح أربعة من أبطال الجيش في معارك متفرقة خلال أكتوبر.

 

تعزيز القوة

 

كثفت جماعة الحوثي منتصف العام الجاري، حملة تعبئة عسكرية ودعائية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها في تعز، وتركزت بدرجة رئيسية في مديريتي شرعب السلام وشرعب الرونة، بالإضافة إلى مديرية ماوية.

قناة "المسيرة" التابعة للجماعة بثت مؤخراً، مشاهد من مسير راجل وتطبيق قتالي لعناصر من أبناء شرعب الرونة تحت شعار "دعم غزة والبراءة من عملاء أمريكا وإسرائيل"، وهو ما يُفسر على أنه غطاء دعائي لعملية حشد وتجنيد فعلية، يستغل من خلاله الحوثيون الزخم العاطفي الذي كان متعلقاً بالحرب في غزة لتعبئة الشباب وشرعنة أي هجوم تقوم به في الداخل.

كما نظمت الجماعة استعراضات عسكرية واسعة تحت عنوان "التعبئة العامة"، شملت عروضاً لخريجي دورات "طوفان الأقصى" في ذكرى انقلابها (21 سبتمبر 2014)، وهي أنشطة تحمل دلالات على توجه الجماعة نحو إظهار الارتباط العقائدي بمحور المقاومة الإيراني، وتأكيد الجاهزية القتالية للجبهة الداخلية تحضيراً لتصعيد محتمل.

ويظهر المسؤول الحوثي الميداني محمد الخليدي، والذي يتولى ملف التعبئة العامة في تعز كمحرك رئيسي لهذه الأنشطة، حيث كشفت مصادر خاصة لـ"المجهر" أنه يجهز لتشكيل لواء جديد باسم "بدر 3"، ضمن مشروع أوسع لإعادة هيكلة قوات الحوثيين في محافظات تعز ولحج والضالع.

 

لواء "بدر 3"

 

إنشاء "لواء بدر 3" في شرعب وما حولها يمثل تطوراً لافتاً من حيث الدلالة وطبيعة الظروف العسكرية الميدانية، ووفقاً لمصدر عسكري ميداني تحدث لـ"المجهر"، يشرف مسؤول التعبئة محمد الخليدي، على مقاتلين تم استقدامهم من صنعاء وذمار عبر مسيرات راجلة إلى تعز ومخلاف، كما يجري حشد المقاتلين المحليين ودمجهم مع العناصر القادمة لتشكيل اللواء الجديد.

والواضح أن اختيار الحوثيين لاسم "بدر" ليس اعتباطاً، فالألوية التي تحمل هذا الاسم داخل بنية الجماعة مثل ألوية بدر في حجة، تُعد وحدات نخبوية ذات صبغة عقائدية بحسب المصدر، وترتبط مباشرة بمكتب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي وليس بالقيادات الميدانية.

ويذهب المصدر إلى التأكيد بأن لواء "بدر 3" يأتي ضمن خطة إعادة توزيع القوى في المنطقة العسكرية الرابعة التابعة للحوثيين بقيادة عبداللطيف المهدي المكنى بـ "أبو نصر الشعف"، والذي يتلقى أوامره مباشرة من مكتب زعيم الجماعة.

من الناحية العملياتية، يمثل هذا اللواء حديث التشكيل قوة احتياط هجومية يمكن استخدامها لفتح جبهات جديدة في حال اندلاع مواجهات واسعة، كما أن الجماعة تهدف من خلال تشكيله في شرعب إلى إحكام السيطرة على منطقة ذات تركيبة قبلية واجتماعية معقدة، لطالما كانت عصيّة على الخضوع الكامل لسلطتها.

وتبقى ألوية "صماد" عمود القوة الحوثية جنوب غرب اليمن، حيث تضم مقاتلين ينحدر معظمهم من المناطق الوسطى، مع انتشار واسع في تعز والضالع ولحج، كما تُشكل هذه الألوية البنية القتالية للحوثيين في هذه المحافظات، وتعتمد عليها الجماعة في فرض نفوذها وتنفيذ خطط التعبئة والتوسع الميداني لا سيما خلال التصعيد الأخير.

 

الحشد والتعبئة

 

تتزامن التحركات الحوثية مع استقدام تعزيزات من محافظتي إب وذمار، ما يشكّل مؤشراً على احتمالية استئناف العمليات القتالية في مناطق كانت قد توقفت فيها المواجهات نسبياً بفعل الهدنة الأممية وما أعقبتها من تفاهمات مؤقتة.

مصادر ميدانية أكدت لـ"المجهر" أن الجماعة دفعت خلال أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بأكثر من 15 عربة عسكرية و8 شاحنات محمّلة بالمقاتلين إلى مديرية شرعب السلام، شمال غرب تعز، خصوصاً إلى منطقة الأمجود التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية لكونها تربط بين محافظتي الحديدة وإب وتشكل نقطة إمداد حيوية للحوثيين.

وتبرز عملية انشقاق العميد صلاح علي عبدالله مقبل الصلاحي قائد اللواء العاشر "صماد" التابع للحوثيين، كأحد التطورات الأكثر تأثيراً في مشهد التصعيد الأخير، كونه يُعد من أبرز القيادات الميدانية التي اعتمدت عليها الجماعة في عمليات التعبئة والانتشار.

غير أن تراكم الخلافات بينه وبين قيادات حوثية من صعدة، واتهامات بالاستحواذ والتمييز المناطقي، إضافة إلى محاولة تجريده من السلاح والممتلكات، دفعت به إلى الانشقاق والانضمام إلى صفوف القوات الحكومية.

ويمثّل هذا الانشقاق في ظل التطورات العسكرية الحالية، مؤشراً على تصدعات داخلية في هيكل الجماعة، خاصة الألوية التي تقودها شخصيات من خارج صعدة ومراكز الثقل القيادي والعقائدي للحوثيين.

كما أن الرد الحوثي الفوري بمحاصرة منزله في الأمجود، ونشر قوات في محيطه عكس تأثر الجماعة من عملية انشقاقه ومخاوفها من اتساع دائرة الانشقاقات، لا سيما في شرعب التي بدأت تشهد تململاً شعبياً ضد سياسات الحشد والتجنيد الطائفية.

 

امتداد جغرافي

 

بدأ الحوثيون مؤخراً تحصين مواقع جبلية في الضالع، خصوصاً في جبل المصوام شمال مديرية الحشاء، المطل على منطقتي مقيلان وتورصة في مديرية الأزارق، وهي مناطق حساسة لأنها تشكّل الحدود الفاصلة بين الضالع وتعز.

وبالتزامن، تم إنشاء مواقع قتالية جديدة في عزلة أسجور والمال وحوامرة ضمن مديرية المسيمير في لحج، بهدف تأمين خط تقدم متصل بين جبهات تعز والضالع، كما وصلت تعزيزات إلى مديرية خدير جنوب شرق تعز لتتمركز شمال منطقة الشريجة، وهي نقطة استراتيجية تربطها بمحافظة لحج.

ويكشف طبيعة هذا الانتشار بحسب محللين عسكريين، أن الحوثيين يسعون إلى ربط الجبهات الجنوبية في شبكة عمليات واحدة، تمكنهم من شن هجمات متزامنة في أكثر من محور لمحاولة إرباك قوات الشرعية، وخلق واقع ميداني جديد قبل أي تسوية سياسية محتملة.

كما يربط المحللون بين التصعيد الحوثي في تعز والتطورات الإقليمية الأخيرة، خصوصاً بعد اتفاق وقف الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قمة شرم الشيخ، والذي مثّل انتكاسة كبيرة لمحور "المقاومة" المدعوم من إيران.

وانطلاق من هذا التحول في التصعيد الإقليمي، يسعى الحوثيون إلى إظهار قدرتهم على تحريك الجبهات لتعويض خسارتهم وتأثرهم بملف غزة، عبر إرسال رسائل مفادها بأن "محور المقاومة" لا يزال يمتلك أوراق ضغط ميدانية. بحسب مراقبين.

وهو ما أظهرته تقارير استخباراتية حديثة، كشفت بأن طهران ما زالت تُصرُّ على استخدم الساحة اليمنية كمنصة ضغط متقدمة لتعويض تراجع قدرتها على التصعيد في الساحات الأخرى (العراق وسوريا ولبنان).

لذلك، فإن تعز تحديداً تمثل اليوم مسرحاً مناسباً لإرسال هذه الرسائل، فهي قريبة من الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر وباب المندب، حيث تمر خطوط الملاحة العالمية، كما أنها ترتبط بمحافظات إب والحديدة الخاضعتين لسيطرة الحوثيين، مما يمنحها بُعداً استراتيجياً في أي مواجهة بحرية أو إقليمية محتملة.

 

تهيئة الفُرص

 

خلافاً للمعطيات الظاهرة، يعتقد الباحث والمحلل العسكري والاستراتيجي د. علي الذهب، أن الحوثيين لا يملكون الآن رغبة في تفجير الصراع على نطاق واسع لمجرد تحقيق مكاسب آنية، لأن الهدنة منحتهم زخماً ومكاسب متراكمة (مالية ولوجستية)، وكان من الممكن أن تتعاظم هذه المكاسب لولا الضغوط الدولية والضربات التي تعرضوا لها من قِبَل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.

يوضح الذهب في حديثه لـ"المجهر"، أن قيادة الجماعة تراهن حالياً على إدارة التوتر لدى الطرف الآخر، وتحويله إلى استحقاقات تكتيكية بدلاً من الاندفاع العشوائي.

وفي تقديره يتركز تخطيط الحوثيين الآن على محورين وكلاهما يتجه نحو محافظة تعز وهما؛ المحور الساحلي الذي يُعد أولوية استراتيجية لهم لربطه بمحافظة الحديدة وتأمين خط إمداد ملائم لعملياتهم البحرية والبرية، والمحور الشمالي الشرقي الذي يُنظر إليه كفرصة للتوغل في حال وُجد فراغ أو صدام داخلي داخل صفوف القوات الحكومية في المدينة ومحيطها.

ويتوقع الذهب سيناريوهين عمليين لتعاطي الحوثيين مع هذين المحورين؛ الأول الوقائي/ الاستباقي على الساحل، ومعناه العمل على الحشد أو هجوم لاستباق أي محاولة من قبل القوات الحكومية أو التحالف للسيطرة على الحديدة.

وفي الشمال الشرقي لتعز هناك سيناريو دفاعي يجعلها في حالة ترقب وانتظار، حيث تكتفي الجماعة مؤقتاً بتحصين مواقعها والاعتماد على عمليات تسلل محدودة وإمكانية الاستفادة من أي عنف داخل صفوف القوات الحكومية.

ويربط المحلل العسكري والاستراتيجي بين هذه الخطط والتحولات السياسية الإقليمية، مشيراً إلى احتمال أن تُستخدم المواجهات في الحديدة كجزء من عمليات أوسع تستهدف حلفاء طهران أو تُسهم في إعادة رسم أولويات التحالف الإقليمي.

ولذلك يلفت الذهب إلى موجة تعبئة وتحشيد رُصدت في شرعب ومخلاف وعلى امتداد مناطق خلفية نحو العدين في إب، ما يعكس استعداداً مزدوجاً؛ رفع جاهزيتها الدفاعية واستعدادها لنقل المعركة إلى نقاط حساسة حال تهيت لها الظروف.

 

أزمة مفتعلة

 

يمرُّ الجيش الوطني في تعز بمرحلة حرجة تتسم بتداخل التهديدات وتضارب الأجندات داخل المكونات العسكرية والسياسية للحكومة الشرعية.

يرى الباحث والمحلل العسكري والاستراتيجي الدكتور علي الذهب، أن هناك محاولات مفتعلة لخلق أزمة داخلية تهدف إلى إذكاء الصراع بين تشكيلات الجيش من جهة، وبين القوات المشتركة من جهة أخرى.

ويضيف بأن ما يحدث اليوم يعيد المشهد إلى ما يشبه مرحلة منتصف عام 2014م، حين كان الإعلام المناوئ يشنّ حملات تشويه ضد وحدات الجيش في عمران وعلى رأسها اللواء 310، بينما اكتفت القيادة السياسية آنذاك بموقف المتفرج حتى سقطت المحافظة بيد الحوثيين.

وبرأيه، فإن ما يجري اليوم في تعز يعيد إنتاج ذلك النمط من الإرباك والتغاضي، حيث يُترك الموقف الميداني دون تدخل حاسم من قيادة الدولة.

وفي حديثه لـ"المجهر" يبين الذهب، أن القوات الحكومية في تعز تواجه تهديدين متوازيين؛ الأول مباشر من قبل الحوثيين، والثاني ضمني أو غير معلن من قبل القوات المشتركة المنتشرة على الساحل الغربي، في ظل غياب واضح لآلية تنسيق فعّالة.

فعلى الرغم من صدور قرار بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بإنشاء غرفة عمليات مشتركة لتوحيد الجهود العسكرية إلا أن التطبيق العملي ظل محدوداً، لأن معظم التشكيلات العاملة في نطاق الحكومة لا تخضع مباشرة لقيادة وزارة الدفاع أو لرئاسة هيئة الأركان، وتعمل ضمن أجندات سياسية متعددة.

ويعتقد الذهب في خلاصة تحليله، أن هذا الخلل البنيوي جعل التنسيق القائم تنسيقاً شكلياً لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، نتيجة تباين الإرادة وتضارب الأهداف بين القوى المكوّنة للمشهد العسكري في تعز والقوات المنضوية في إطار الشرعية عموماً.