استهداف رموز المقاومة في تعز.. امتداد لمعركة كسر الإرادة التي خسرها الحوثيون (تقرير خاص)

استهداف رموز المقاومة في تعز.. امتداد لمعركة كسر الإرادة التي خسرها الحوثيون (تقرير خاص)

تُفسر الحملة الإعلامية الموجهة التي تزامنت مع حادثة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز افتهان المشهري، بوجود توجهات مُنسقة تستهدف رمزية المقاومة الشعبية، بما تمثله من حضور سياسي ومعنوي واجتماعي في الوعي الجمعي للمحافظة.

كما يكشف هذا الاستهداف عن امتدادٍ لسياقات عدائية سابقة تجاه تعز ومؤسساتها الرسمية، ومحاولات متكررة للنيل من منجزاتها المؤسسية والأمنية التي تشكلت خلال سنوات المقاومة ضد الميليشيات الحوثية.

ويذهب مراقبون سياسيون، إلى الحديث بأن جوهر هذه الحملة يتعدى حدود الخلافات السياسية أو التباينات المناطقية، إلى محاولة تفكيك البنية الرمزية للمقاومة الشعبية في تعز، عبر تجريدها من بُعدها الأخلاقي والوطني، وخلخلة الثقة العامة بالمؤسسات المنبثقة عنها.

فهذا الاستهداف يمثّل جزءًا من استراتيجية أوسع لإضعاف النموذج المؤسسي في تعز، والذي ما زال يُنظر إليه بوصفه أحد التجارب الأكثر صلابة في مقاومة مشروع الانقلاب الحوثي واستعادة مؤسسات الدولة.

 

أداة إرباك

 

تبرزُ تصريحات المتحدث باسم شرطة تعز المقدم أسامة الشرعبي، بوصفها مؤشرا على توظيف أدوات رسمية في سياق حملة الاستهداف المنهجي التي طالت رمزية المقاومة الشعبية في المحافظة، وعلى رأسها الشيخ حمود سعيد المخلافي.

ففي خضم التفاعل الأمني والإعلامي الذي رافق قضية اغتيال افتهان المشهري، لجأ الشرعبي إلى إقحام اسم الشيخ حمود عند حديثه عن شقيقه، في حين كان يمكن الاكتفاء بذكر الاسم المعني مباشرةً وهو محمد سعيد المخلافي، ما يُظهر خروجه عن الضوابط المهنية والمسؤولية التي يفرضها موقعه الرسمي.

ويعزّز هذا الانطباع التناقض الواضح بين تصريحات الشرعبي وبيانات الحملة الأمنية المشتركة التي كانت الجهة المكلفة فعليا بعملية المداهمة، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يعكس انفصالا بين إدارة الأمن ورئاسة الحملة أم أنه نتاج توجه شخصي مقصود من قبل الشرعبي نفسه.

مصدر أمني، أكد لـ"المجهر" أن مدير أمن المحافظة العميد منصور الأكحلي، لم يكن على علم مسبق بتصريح الشرعبي، وأن هذا الأخير تصرّف بصورة منفردة وخارج الإطار الرسمي، ما استدعى اتخاذ إجراء مؤقت بتوقيفه عن العمل وتكليف ضابط آخر من إدارة التوجيه المعنوي والعلاقات العامة بمهام الناطق الرسمي.

وفي حين نفت مصادر مقربة من القيادي في اللواء 170 محمد سعيد، له صلة في منع الحملة المشتركة من أداء مهامها، تؤكد المصادر ذاتها أن إدارة الأمن لم تصدر أي بيان رسمي يؤكد مزاعم أسامة الشرعبي. بحسب حديثها لـ"المجهر".

وبناءً على ذلك يبقى السؤال الجوهري؛ من أي خلفية انطلق الشرعبي في اتهاماته؟ لأن ما حدث منه ليس مجرد تصرف فردي معزول، بل يمثل نموذجاً لكيفية توظيف الانحراف المهني كأداة لإرباك المشهد الأمني في تعز.

 

استغلال الأزمات

 

يمكن قراءة توقيت حملة استهداف المقاومة الشعبية في تعز على أنه اختيار مدروس يرتكز على مبدأ استثمار الأزمات لإضعاف الجبهة الداخلية للمدينة، فالحملة الإعلامية المنظمة سعت فورا إلى استثمار تداعيات حادثة اغتيال المشهري، مستغلة تصريحات الناطق السابق أسامة الشرعبي المثيرة للجدل، لتحويل بؤرة الاهتمام من متابعة القضية إلى تعميم اتهامات مبطنة تستهدف رمزية الشيخ حمود سعيد وبعض من قيادات المقاومة الشعبية.

ويمثل هذا الاستغلال نموذجا لكيفية توظيف الأدوات المؤسسية والشخصيات العامة في لحظات حرجة، حيث تُستدعى المناصب والأصوات الإعلامية الجاهزة لتشتيت النقاش عن مسار التحقيقات، وتوجيهه نحو تسييس القضية.

وينتج عن ذلك أثران أساسيان بحسب محللين سياسيين، هما؛ تقويض الثقة بين المقاومة وبين الشارع وبينها وبين مؤسسات الأمن والجيش، وإضعاف البعد المعنوي والوطني بما يؤثر على قدرتهما في تعبئة الشارع وتوحيد الصف في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية.

ومن المنظور الاستراتيجي، تخدم هذه التحركات أطرافا تسعى إلى إبقاء المشهد الداخلي في تعز هشا وقابلا للاختراق، بما يسهل على فاعلين إقليميين أو داخليين استغلال الفوضى لخدمة أجنداتهم الخاصة.

ووفقا لما أشار إليه مسؤول في السلطة المحلية بالمحافظة، فإن الأطراف المتورطة في إذكاء هذه الحملات تعمل ضمن منظومة وظيفية متعددة المستويات، بحيث توظّف الأدوات السياسية والأمنية والإعلامية لإرباك المشهد الداخلي، وإحداث تصدعات في بنية التنسيق المشترك بين الأجهزة العسكرية والأمنية، بما يمكنها من خلق بيئة خصبة للاحتقان والانقسام الداخلي.

وفي حديثه لـ"المجهر" يضيف المصدر، أن بعض هذه الأطراف تتمتع بعلاقات مباشرة أو غير مباشرة مع جهات فاعلة في الساحل الغربي، تحديدا شخصيات مقربة مما يُعرف بـ"المقاومة الوطنية" التي يقودها طارق صالح، إلى جانب شخصيات مقيمة خارج البلاد ومن بينها حمود خالد الصوفي، إضافة إلى ناشطين سياسيين وإعلاميين يعملون على شن حملات في مواقع التواصل الاجتماعي تتسم بطابع التحريض والمناكفة.

 

النسيج الاجتماعي

 

لا يمكن اختزال الحملة التي استهدفت الشيخ المخلافي في بعدها الشخصي أو السياسي فحسب، إذ تؤكد قراءات سياسية متعددة أن ما جرى يمثل امتداداً لاستراتيجية أوسع تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في تعز، باعتباره الحاضنة التي تشكلت منها المقاومة الشعبية واستمدت منها رمزيتها الوطنية.

وتقوم هذه الحملة على تحريك التناقضات الكامنة داخل المجتمع المحلي وإعادة إنتاجها في صور جديدة، بما يضمن استمرار حالة التوتر والاحتقان، ووفقاً لتقديرات مسؤولين محليين ومصادر سياسية استخلصها "المجهر"، فإن استهداف هذه الرموز التي تحظى بثقة الشارع، يمثل أخطر أدوات التي تسعى لإزالة الرابط المعنوي والوجداني الذي يربط المقاومة بالمجتمع، ليسهل عليها ضرب المشروع الوطني الجامع داخل المدينة.

ويرى مراقبون أن مواجهة الاستهداف يتطلب جهداً مؤسسياً متكاملاً على المستويات السياسية والأمنية والإعلامية، بما يهدف إلى كشف الجهات المحركة لهذه الحملات وتجفيف منابعها.

ومع ذلك يبقى التساؤل الجوهري مطروحاً؛ هل تمتلك القيادة المحلية في تعز الإرادة الكافية لمواجهة هذا النوع من الاختراقات، ووضع حد لتوظيف الأزمات في صناعة الربط المضلل الذي يسعى إلى خلط الأوراق وإضعاف ثقة الشارع بالمقاومة الشعبية؟

 

حرب نفسية

 

جماعة الحوثي هي الأخرى، كان لها دوراً بارزاً في القضية ذاتها عبر وحدة ما يسمى بالحرب النفسية حيث فعل الحوثيون خلايا الإعلام الحربي التي تتألف من ثلاثة آلاف حساب وهمي على منصتي فيسبوك وإكس لذات المهمة.

وتولت هذه الحسابات مهمة تعميق الانقسام الداخلي بين مكونات الشرعية في تعز وتأجيج الوضع مستغلين قضية اغتيال المشهري، بهدف تشويه الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، ومحاولة تصوير المدينة المحررة كبؤرة للفوضى والجريمة المنظمة، وفقا لمصادر خاصة. 

وأوضحت المصادر لـ"المجهر" أن القيادي الحوثي عبدالله بن عامر نائب رئيس التوجيه المعنوي لجماعة الحوثي الإرهابية كُلف بإدارة مهمة الحرب النفسية في تعز من خلال التفاعل مع ما يعرف بالمعارضين لسلطة تعز وتعزيز الانقسام الداخلي.

 

ضبط البوصلة

 

تفرض الحملة الممنهجة التي استهدفت رمزية المقاومة الشعبية في تعز، الحاجة إلى إعادة ضبط البوصلة الداخلية لمؤسسات المحافظة الأمنية والعسكرية، بما يضمن تجاوز ردّات الفعل الآنية، والانطلاق نحو رؤية وطنية موحدة في مواجهة الحملات الإعلامية.

فما جرى لا يمكن قراءته بوصفه مجرد موجة إعلامية عابرة، لأنها تُعد حلقة في سلسلة طويلة من محاولات سابقة استثمار الفجوات السياسية والإعلامية لضرب روح المقاومة التي مثّلت، منذ عام 2015م، الركيزة الأساسية لصمود المدينة في وجه الحصار والانقلاب الحوثي.

وفي هذا السياق، يبرز البعد الإعلامي كعامل حاسم في الصراع على الوعي، إذ أن إعادة ضبط الخطاب الإعلامي باتت ضرورة ملحّة لإعادة بناء الثقة المجتمعية ومواجهة الشائعات بالمعلومة الدقيقة، بعيدًا عن التحالفات الضيقة.

في المحصلة، فإن حماية رمزية المقاومة لا تتعلق بالأشخاص بقدر ما تتعلق بالفكرة التي يمثلونها، وهي فكرة المشروع الوطني الجامع الذي تجسّد في تعز منذ انطلاقة المقاومة الشعبية.

 

شرارة المقاومة

 

تعود جذور المقاومة الشعبية في تعز إلى 22 مارس 2015م، حين أدت مواجهات قمع التظاهرات السلمية إلى سقوط قتلى في المدينة، ومن هنا بدأ أبناء المدينة من مختلف المناطق والمديريات، تنظيم الصفوف لمواجهة العدوان الحوثي، لتتولد المقاومة الشعبية من رحم التضحيات.

ويُعد الشيخ حمود سعيد المخلافي أحد أبرز رموز المقاومة الشعبية ضد الميليشيات الحوثية منذ لحظاتها الأولى، حيث جسّد ولا يزال رمزاً وطنياً للتضحيات والصمود في سبيل الدفاع عن تعز واليمن عموماً.

وقاد الشيخ المخلافي حينها، المقاومة الشعبية مستندا إلى حاضنة اجتماعية واسعة وتنظيم محكم بدعم القوى الوطنية، حيث اعتمد في البداية على التسليح الذاتي وأسلوب حرب الاستنزاف لمواجهة التفوق العسكري للحوثيين، ليثبت كفاءة قيادية ميدانية عالية، حولت المقاومة إلى قوة منظمة قادرة على تحرير أجزاء واسعة من المدينة، رغم الحصار والظروف القاسية.

وفي 28 يوليو 2015، أقر مجلس الدفاع الأعلى دمج المقاومة ضمن الجيش الوطني، ما شكل اعترافاً رسمياً ببطولاتها ودورها في الدفاع عن تعز واليمن، ومن حينها واصلت المقاومة الشعبية بقيادة الشيخ حمود تحقيق إنجازات ملموسة، أبرزها تحرير معظم أحياء المدينة وفك الحصار عنها، إلى جانب تحرير 17 مديرية من أصل 23 في المحافظة، ونقل المعارك إلى الجبهات الخارجية والجبال المحيطة، بما أكسب المقاومة مكانة رمزية قوية في الوعي الشعبي.

وتظل تجربة الشيخ حمود سعيد المخلافي مثالاً على أن تعز مدينة لا تُقهر، وأن إرادة أبنائها أقوى من الحصار والدمار، في دلالة على استهدافه في الحملة الإعلامية الأخيرة هي محاولة لضرب الروح الوطنية التي شكلت صمام أمان للمدينة خلال سنوات المواجهة مع الانقلاب الحوثي.

 

إرادة شعبية

 

شكلت تعز طليعة المشروع الوطني في مواجهة الحوثيين، واليوم تواجه حرباً ناعمة لا تقل خطورة عن المواجهة العسكرية، تستهدف وعيها الجمعي وتماسكها الداخلي لغرض جعلها مسرحاً لتصفية الحسابات السياسية الضيقة، وضرب إرادة المقاومة من الداخل.

وعلى المستوى السياسي والاجتماعي، لا يمكن الحديث عن جبهة داخلية متماسكة من دون مرجعية سياسية موحدة تُدير الخلافات تحت سقف المصلحة الوطنية، وتتوصل إلى الاتفاق على تجريم استغلال القضايا الأمنية لأغراض حزبية أو مناطقية.

فاستهداف رمزية المقاومة الشعبية في هذا التوقيت، يهدف إلى تشتيت الجهود في وقت تحتاج فيه تعز إلى وحدة الصف لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية المتزايدة، بدلاً من ترك المجال لمحاولات نزع الثقة عن القيادات الوطنية والعمل على تشويهها لصالح أطراف لم تقدم جهداً في سبيل الدفاع عن المدينة.

هذه الأطراف التي من الواضح أنها استفادت من التباينات الحاصلة في أروقة مجلس القيادة الرئاسي والمتوقفة أمامها العديد من القضايا العالقة، لا سيما قضية الانقسام الإداري في تعز بين المدينة ومديريات الساحل التي يديرها عضو مجلس القيادة وقائد المقاومة الوطنية طارق صالح، بمعزل عن السلطة المحلية في المحافظة، فكيف يمكن أن يستقيم الظل والعودُ أعوج !؟