شبكة خفيّة.. كيف قاد أمجد خالد أخطر مشروع لاختراق المناطق المحررة؟ (تحقيق خاص)

شبكة خفيّة.. كيف قاد أمجد خالد أخطر مشروع لاختراق المناطق المحررة؟ (تحقيق خاص)

في سلسلة من العمليات المتشابكة التي بدأت تتكشف خيوطها منذ ما يقارب خمس سنوات، ظهر العميد أمجد خالد القحطاني القائد السابق لما يُعرف بـ"لواء النقل"، كحلقة مركزية في مشروع تخريبي طال المؤسسات والمكونات التابعة للشرعية في اليمن، وذلك ضمن شبكة مرتبطة مباشرة بجماعة الحوثي لإدارة العمليات الإرهابية بالتنسيق مع تنظيمي القاعدة وداعش.

وتكشف العمليات الأمنية المتواصلة منذ يوليو/حزيران 2023، عن خُطط استهدفت استقرار مناطق محررة جنوب وغرب اليمن، سعياً لإحداث اختلالات أمنية وعسكرية يتم عبرها تشويه تلك الصورة محلياً وأمام المجتمع الدولي.

وانطلاقاً من تعز المحافظة التي صمدت طويلاً كرمز للمدنية والمقاومة، بدأت أولى محاولات الاختراق التي شملت لاحقًا مناطق استراتيجية جنوب البلاد، وفق مخططات مرسومة بعناية على طاولات غرف العمليات الحوثية، ووجدت في أمجد خالد ذراعاً عسكرياً لتنفيذها.

في هذا التحقيق الذي بدأ فريق "المجهر" يتتبع خيوطه منذ أشهر، من خلال الرصد والتوثيق والتحليل المتواصل للمعلومات، نزيح اليوم الستار عن تفاصيل حصرية لعملية الإطاحة بأكبر شبكة اختراق أمني وعسكري كانت تستهدف المناطق المحررة، وذلك امتدادًا لما تطرقت إليه مواد صحفية كنا السبّاقين إلى نشرها حول هذا الملف بالغ الخطورة.

 

فك الشفرة

 

شكّلت جريمة اغتيال مدير برنامج الغذاء العالمي في التربة، في 21 يوليو 2023، نقطة تحول حاسمة في المشهد الأمني للمناطق المحررة، لأنها دفعت الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى إطلاق حملة استخباراتية موسعة كشفت عن شبكة تخريبية معقدة ترتبط مباشرة بالحوثيين بواسطة أمجد خالد.

وبدأت تنكشف خيوط الشبكة المتشعبة بعد الاعترافات التي أدلى بها عناصر بارزون في خلية أمجد، أبرزهم (ص. الشرجبي) المسؤول المالي وصندوقه الأسود، إضافة إلى اثنين من مساعديه أحدهما يدعى أمجد الربحة، والذين اعتقلوا قبل شهر من ضبط أمجد ذاته، بينما كان يحاول التفاوض للإفراج عنهم خوفًا من تسريب أسراره.

الاعترافات كشفت أيضًا عن لوجستيات خفية دعمت نشاط الخلية، منها استئجار عشرات المنازل في التربة عبر المحامية الخاصة بأمجد وزوجها، ما دل على حجم التمدد والتنظيم.

والأهم من ذلك، أن نتائج التحقيقات شكَّلت تحولاً في فهم طبيعة التهديدات التي واجهتها المناطق المحررة خلال السنوات الماضية من قبل الحوثيين وأطراف أخرى من مصلحتها عدم استقرار البلاد.

 

إقرأ أيضا: مديريات جنوب تعز.. لماذا تنشط خلايا الحوثيين في شريان المدينة المحاصرة؟ (تحقيق خاص)

 

تخادم مُشترك

 

لم يكن العميد أمجد خالد مجرد منفذ لعمليات إرهابية محدودة، فقد تبين لاحقاً أنه العقل المدبر لمشروع فوضوي واسع، أسّس من خلاله شبكة تخادم خطيرة جمعت بين الحوثيين وتنظيمي القاعدة وداعش.

بدأت القصة في العام 2020، حين تم استقطاب أمجد خالد لصالح جماعة الحوثي عبر قنوات عليا في الجماعة، أبرزها رئيس أركان وزارة الدفاع الحوثية محمد عبد الكريم الغماري، العقل الفني وراء برامج الصواريخ والمتفجرات، وعبد القادر الشامي، نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات، الذي يوصف بأنه "مهندس التنسيق والتخادم" بين الحوثيين والتنظيمات المتطرفة.

وأُسند إلى أمجد دور محوري بصفته مشرفًا عسكريًا فعليًا على المنطقة العسكرية الرابعة لصالح الحوثيين، لتنفيذ مخطط متعدد المراحل يبدأ من إغراق تعز ولحج وأبين بالفوضى وصولاً إلى عدن.

ومع مطلع العام 2021، تحوّل دوره إلى أكثر خطورة، حيث بات ضابط تنسيق فعلي بين الجماعات الثلاث، متولّيًا الإشراف على نشاطها الإرهابي في المناطق المحررة، وجامعًا بين أدوات التخريب العسكري والعمل الاستخباراتي.

وأشرف أمجد على تجنيد المئات من الأفراد لتشكيل خلايا نائمة لصالح الحوثيين والتنظيمات المتطرفة، وحرص على إرسالهم إلى معسكرات تدريب متخصصة تحت إشراف حوثي مباشر، حيث خضعوا لدورات في جمع المعلومات والتفخيخ وصناعة العبوات الناسفة.

كما تولى مهمة توزيع الدعم المالي المقدّم من الحوثيين لعشرات القيادات الميدانية التابعة لهم في محافظات عدن ولحج وتعز وأبين والضالع، بما يضمن توسيع دائرة التخريب وإدامة الانفلات الأمني في تلك المناطق.

 

إقرأ أيضا: «معمل لصناعة المتفجرات».. مصدر أمني يكشف تفاصيل ضبط منفذي اغتيال الموظف الأممي في تعز

 

أمجد: بديل جاهز

 

بعد نجاح تفكيك العناصر الإرهابية التي كانت منضوية تحت كتائب "أبو العباس" في أواخر 2020، بدأت مرحلة جديدة تديرها شبكة من التخريب المنظم وبطريقة ظهرت كما لو أنها أداة بديلة تم إعدادها عبر أدوات مموّهة باسم الشرعية بينما هي في الحقيقة لتنفيذ أجندات تعمل ضدها.

تلقى أمجد خالد دعماً متعدد الاتجاهات، ليوظفه في محاولة تشويه صورة تعز محليًا ودوليًا وتجريدها من زخمها المدني والإنساني، لإقناع المجتمع الدولي بخطورة البقاء فيها بذريعة أنها منطقة مضطربة.

ولأن كثافتها السكانية العالية وصمودها رغم الحصار، جعلا منها ورقة محرجة للحوثيين أمام المجتمع الدولي، ولذلك سعت الجماعة عبر أدواتها، وعلى رأسها أمجد خالد، إلى تفريغ تعز من قيمتها الرمزية باستخدام خلايا إرهابية زرعتها بعناية.

وامتد نشاط أدواته إلى مناطق مجاورة في عدن ولحج، تحت غطاء سياسي وقانوني مستغلا التعدد في الولاءات الحزبية والانقسامات المجتمعية، لتأسيس بيئة رخوة يمكن التحكّم بمسارها، بما يساهم في إعادة صياغة المشهد من الداخل في تلك المناطق بعيدًا عن أي صِدام مباشر.

 

إقرأ أيضا: حملة أمنية عسكرية مشتركة تعتقل أمجد خالد في مدينة التربة جنوب تعز (تفاصيل)

 

خارطة الفوضى

 

لم تكن جريمة اغتيال مدير برنامج الغذاء العالمي مؤيد حميدي ناصر سوى واحدة من فصول مشروع دموي تقوده شبكة منظمة ارتبطت مباشرة بأمجد خالد، لتكشف عن حجم التنسيق بين الحوثي والجماعات المتطرفة، بهدف تحويل التربة إلى مسرح لعمليات مدروسة بعناية.

فالمنفذ الرئيسي لقتل حميدي ويدعى (ص. ع. ط)، أقر خلال التحقيقات بتلقيه تدريبًا لدى جماعة الحوثي في الجوف مطلع 2023، أعقبه تدريب آخر لدى تنظيم القاعدة في أبريل من العام نفسه، ليعود بعدها إلى تعز مزودًا بمهارات القتل والتخفي وينفذ واحدة من أكثر العمليات صدمة للمنظمات الدولية العاملة في اليمن.

ولم يكن المتهم وحده، فقد تم ضبطه إلى جانب سائق الدراجة النارية وعدد من أفراد الخلية ممن أوكلت إليهم مهام الحماية والرصد والتأمين، وجميعهم أكدوا أن التخطيط والإشراف الكامل صدر عن شخصية بارزة في شبكة أمجد خالد يُعرف باسم (ص. الشرجبي).

وتشير شهادات المنفذين إلى أن الضحية كان تحت الرقابة منذ لحظة وصوله إلى عدن، وأن تحركاته في التربة خضعت لتتبع دقيق شمل المسجد الذي أدى فيه صلاة الجمعة، والمطعم الذي توجه إليه لاحقًا، بما يؤكد مدى التهديد الذي كانت تشكله هذه الشبكة على الأمن المحلي والدولي في اليمن.

وكشفت تقارير أمنية حصل عليها "المجهر" أن هذه الجريمة كانت ضمن مخطط أكبر، فقد اتضح تورط الخلية ذاتها في اغتيال المقدم عدنان المحيا ضابط التحقيق في قضية الاغتيال الأولى، في محاولة واضحة لطمس الأدلة وتصفية المسارات التي قد تؤدي إلى كشف الشبكة.

ويعكس توقيت وأماكن الاجتماعات السابقة لعملية اغتيال موظف الغذاء العالمي، والتي عُقدت في مقرات تتبع أمجد خالد في التربة وعدن ودار مزيد شرجب، مستوى متقدم من التخطيط والتنظيم يشير إلى أن ما جرى كان نتيجة عمل مدروس يهدف لإعادة رسم الواقع الأمني في المنطقة.

 

إقرأ أيضا: الملف الأسود للعميد أمجد خالد.. بين أوهام البطولة وواقع الاتهام (تقرير خاص)

 

جرائم مركبة

 

تجاوزت الشبكة الإرهابية التي قادها أمجد خالد حدود العنف التقليدي لتصل إلى مستويات متقدمة من التخطيط والإرهاب المنظم، فخلال تفتيش منازل عناصر هذه الخلايا تم العثور على تسجيلات مصورة تظهر عمليات قتل استخدمت فيها كواتم صوت، وتوثيقًا لإخفاء جثث في حفرة عميقة داخل فناء أحد المنازل.

واثبتت اعترافات المتهمين تورطهم في التخطيط والإشراف على سلسلة اغتيالات استهدفت مسؤولين بارزين وقادة عسكريين وأمنيين وشخصيات في السلطة المحلية، ومن بين هذه العمليات محاولة تفجير موكب محافظ عدن أحمد حامد لملس، واستهداف محافظ تعز نبيل شمسان بزرع عبوة ناسفة خلال وضعه حجر الأساس لأحد المشاريع التنموية في المحافظة، إلى جانب محاولة اغتيال قائد العمليات المشتركة اللواء صالح علي حسن.

كما خططت الشبكة لاغتيال رئيس هيئة العمليات في وزارة الدفاع اللواء الركن خالد الأشول ومدير دائرة العمليات الحربية العميد الركن يحيى العيزري خلال زيارتهم لتعز، إضافة إلى استهداف عشرات القادة العسكريين والأمنيين في محافظات عدن وتعز ولحج.

إلى جانب ذلك، نفذت خلايا كثيرة عمليات استهدفت الأطقم العسكرية والأمنية، مستخدمة العبوات الناسفة التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الضباط وصف الجنود والمواطنين المدنيين، ما يعكس استراتيجية ممنهجة لإثارة الفوضى وزرع الرعب.

كما نفذت عمليات اختطافات وإخفاء قسري لعدد كبير من المواطنين، ونهب ممتلكات شخصية والسيارات تابعة للمنظمات الدولية، مع الاعتراف بوجود مخططات لاختطاف موظفي هذه المنظمات، في إطار خطة شاملة تهدف إلى تقويض كل محاولات الاستقرار في البلاد.

 

إقرأ أيضا: شرطة تعز تكشف عن تحريز أسلحة ومتفجرات بحوزة المتورطين باغتيال الموظف الأممي

 

ترسانة إرهابية

 

في السادس من يونيو 2025، جرت مداهمة أمنية نوعية على منزل أمجد خالد ومنازل متصلة بشبكته في مدينة التربة وعُثر فيها على سيارات مفخخة جاهزة للتفجير، ومواد خام ومعامل مخصصة لتصنيع العبوات الناسفة وتجهيز السيارات المفخخة.

ومن الواضح أن الكمية المضبوطة من العبوات الناسفة والألغام التي يزيد وزنها على الطن، كانت مجهّزة بعناية لارتكاب هجمات إرهابية ذات طابع تدميري تستهدف إغراق المناطق المحررة في دوامة عنف مفتوحة.

التحقيقات الأمنية توصلت إلى معلومات بخصوص وجود معامل لصناعة المتفجرات انشأها أمجد خالد داخل منزله في مدينة التربة، بالإضافة إلى مواقع تصنيع أخرى في وادي تب شمال مديرية المضاربة والعارة، مرتبطة بمعامل مماثلة تقع في مدينة الحوبان الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

هذا التنسيق الممتد بين مناطق الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين عبر معامل تصنيع وتخزين مشترك، يكشف حجم الإمكانات التي كانت تمتلكها الشبكة لتنفيذ عملياتها، في إطار مخطط يتجاوز حدوده المحلية نحو تهديد الأمن الإقليمي والدولي.

 

إقرأ أيضا: اغتيال ضابط أمني رفيع برصاص مسلحين مجهولين وسط مدينة تعز (تفاصيل)

 

أنشطة مشبوهة


 
في إطار البحث عن أدلة على محاولة شبكات حوثية اختراق لمؤسسات الشرعية، حصل فريق "المجهر" على وثيقة مسربة تحمل توقيع أمجد خالد، تؤكد تورطه في التخابر مع الحوثي، تحت غطاء خطة لإعادة بناء الهيكل العسكري والأمني والاجتماعي للواء المتواجد في مدينة التربة.

وتُظهر الوثيقة تذمرًا صريحًا من توقف الدعم المالي للواء عام 2022، ثم تغيير آلية صرف الرواتب في 2023، مما حرمه من استغلال استقطاعات المتغيبين لدعم شخصيات وقادة كتائب تابعة اللواء، في دلالة واضحة على أنشطة مشبوهة لأمجد خالد وارتباطات خارج إطار الشرعية.

أخطر ما في الوثيقة هو طرحه الصريح لإعادة هيكلة اللواء كي يصبح "قاعدة متقدمة" ذات طابع أمني واجتماعي، في منطقة استراتيجية حيوية تربط بين البحر والمناطق الداخلية، في لغة حملت بصمات الانخراط الكلي وراء المشروع الحوثي.

وهذا يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن أمجد خالد لم يكن يتحرك بمعزل عن الجماعة، وإنما كان يقود مشروعًا ممنهجًا لإيجاد نفوذ حوثي في مناطق الشرعية من بوابة لواء النقل وموقعه الجغرافي الحساس.


 
قنوات مباشرة


 
في تسجيلات صوتية حصل عليها "المجهر"، تبينت خيوط جديدة لشبكة تخابر تعمل لصالح الحوثيين، عبر عناصر ميدانية نفذت مهام استخباراتية وعمليات استهداف خطيرة في إطار مناطق الشرعية.

في أحد التسجيلات، يظهر أمجد الربحة أحد العناصر البارزة في الشبكة خلال تواصله مع قيادي حوثي، ليوافق على تنفيذ عملية قرب منزل شخص يُشتبه في مراقبته للخلية، قائلاً إنه سيرسل عناصر لتنفيذ المهمة.

ويؤكد الربحة للقيادي الحوثي تحركه بحرية في منطقة التربة وجوارها بمعية أفراده، كما أخبره بتعمده استفزاز شقيق قائد اللواء الرابع والذي يدعى "علوي" بصورة شبه يومية، في تصرفات تستهدف خلق توتر ميداني.

كما أورد تسجيل آخر، تفاصيل لاتصال هاتفي أجراه مدير مكتب القيادي الحوثي أبو علي الحاكم مع أحد عناصر خلية أمجد خالد، طلب منه رصد تحركات العميد أبو بكر الجبولي وقادة آخرين، إضافة إلى متابعة عرض عسكري أقامه اللواء الرابع.

وأكد العنصر في الخلية الحوثية خلال اتصاله، بوضع "عيون كثيرة" لمراقبة المنشآت الرسمية ورصد تحركات القيادة العسكرية والمدنية في مدنية التربة وطور الباحة، في إشارة إلى بنية استخباراتية نشطة أدارتها الجماعة عبر قنوات اتصال مباشرة مع خلاياها.

وتكشف التسجيلات المسربة عن مستوى متقدم من التنسيق الذي كان يتم بين الخلايا الأمنية التابعة للحوثيين في المناطق المحررة، كشاهد على دور أمجد خالد حلقة الوصل المركزية في مشروع اختراق أمني وعسكري حاول استهداف بنية الشرعية من الداخل.

 

خيوط ممتدة

 

مع احراز التقدمات في الكشف أذرع هذه الشبكة الإرهابية، أدركت السلطات الأمنية للحكومة الشرعية أن ما يجري أعمق بكثير من شبكة محلية ذات أهداف محدودة، فالأمر تعدى إلى مشروع واسع تشارك فيه أطراف خارجية بامتداد من داخل المؤسسات الشرعية نفسها.

مصدر أمني رفيع في لجنة التحقيق أكد لـ"المجهر" وجود وثائق وأدلة مرئية ومسموعة تم تحريزها، تثبت تورط دول شقيقة في دعم مباشر وغير مباشر للخلايا التي استخدمت لتقويض الأمن في الداخل في المحافظات المحررة، فضلًا عن تنفيذ أنشطة معادية للمملكة العربية السعودية.

لكن وفي ظل تصاعد وتيرة التهديدات الأمنية في المناطق المحررة، جاءت التحركات العسكرية والأمنية الأخيرة كمحطة فارقة في مواجهة مشروع التخريب الذي كانت تقوده خلايا أمجد خالد.

هذه التحركات جاءت ثمرة لتوجيهات مباشرة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي، الذي تابع الملف منذ توليه رئاسة المجلس موجهاً بإطلاق عملية أمنية شاملة لاجتثاث الخلايا الإرهابية وملاحقتها.

ويكفي أن نتج عن هذه التحركات كشف الغطاء الرسمي عن أمجد خالد، الذي أُقيل بقرار جمهوري في يناير 2024، لتبدأ بعدها مباشرة عملية ملاحقته قضائيا وأمنيا، وتفكيك الشبكات التي كانت تنشط تحت لواءه.

وفي وقت تشير فيه مصادر أمنية ميدانية إلى تنقلات أمجد بين المهرة وعُمان، بدأ التنسيق في المستوى الأعلى مع الإنتربول لملاحقته خارج البلاد، بعد أن فرّ عبر مسارات معقدة شملت الساحل الغربي والمضاربة ودُبع، قبل ظهوره في تسجيل مصور يؤكد هروبه إلى جانب ظهوره مؤخراً في إحدى القنوات الفضائية. 

بالتوازي مع ذلك، تم توسيع نطاق الملاحقة لتشمل شخصيات أخرى مطلوبة أمنياً، شاركت أو وفّرت الغطاء لأعمال تخريبية، وفي مقدمتهم هاني بن بريك ويسران المقطري وسامر الجندي وسميح النورجي ومحمد الميسري وآخرين.

 

تنسيق مركزي

 

في تطور نوعي، أعلنت اللجنة الأمنية العليا نتائج واحدة من أكبر العمليات الأمنية التي شهدتها البلاد، مؤكدة مسؤولية المدعو أمجد خالد عن سلسلة من الجرائم الإرهابية التي وشكّلت تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار في المناطق المحررة بما في ذلك محافظات تعز عدن ولحج.

الإعلان جاء في وقت كانت فيه الأجهزة الأمنية قد أتمّت مرحلة واسعة من تفكيك الشبكة المرتبطة بأمجد خالد، بعد تحقيقات مكثفة وأعمال رصد ومتابعة استمرت لأشهر، أسفرت معها عن ضبط العشرات من العناصر المتورطة.

ولعل أحد أبرز المؤشرات على نجاح العملية، هو إعلان اللجنة تطهير مدينة التربة ومديرية الشمايتين بالكامل من أي وجود للعناصر الحوثية أو المتخادمة معها، بعد أن كانت المنطقة مُنطلقاً رئيسياً لعمليات أمجد خالد وشبكته خلال السنوات الأخيرة. 

وأمام هذه التحديات المتنامية، كان لابد من إعادة أُعيد تنظيم الجهد الأمني والعسكري تحت مظلة موحّدة، حيث بدأت خطة موسّعة لتعقب العناصر الفارة والبالغ عددهم وفق إحصائيات أولية 189 عنصرًا، لا يزال بعضهم يشكل خطرًا قائمًا ما لم يُستكمل تطويقهم وضبطهم.

ومع إعلان رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي متابعته للملف الأمني، تبرز هذه الخطوة أكثر من مجرد متابعة رئاسية لتحملت رسائل سياسية وأمنية بأن القيادة العليا تضع هذا الملف في مقدمة أولوياتها لوقف استنزاف مقدرات الدولة تحت أي مبرر.

وما جرى من تنسيق بين محافظتي تعز ولحج هو نموذجا واضحا يعكس صلابة الموقف وفاعلية التنسيق بين وحدات الأمن والجيش والسلطات المحلية، التي تعاملت مع الملف بحس وطني بعيد عن الحسابات الضيقة.

ورغم أن ما كشفته التحقيقات يمثل جزءًا من المشهد، إلا أنه يكفي للاستدلال على أن اليمن يخوض حربًا أمنية لا تقل تعقيدًا عن المعارك العسكرية، ويضع قيادة الشرعية أمام مهمة تاريخية في استكمال تطهير مؤسسات الدولة وتعزيز صمود المجتمع في وجه مشاريع الفوضى التي تدفع بها جماعة الحوثي والتنظيمات الإرهابية.

قائمة المصادر:
-    تقارير أمنية
-    محاضر من التحقيقات مع عناصر أمجد خالد 
-    مصدر في لجنة التحقيقات 
-    مصدر عسكري في قيادة محور طور الباحة
-    مصدر أمني في الحملة الأمنية المشتركة بالتربة
-    وثائق وتسجيلات خاصة
-    معلومات خاصة تم الحصول عليها بطرق مختلفة