الملف الأسود للعميد أمجد خالد.. بين أوهام البطولة وواقع الاتهام (تقرير خاص)

الملف الأسود للعميد أمجد خالد.. بين أوهام البطولة وواقع الاتهام (تقرير خاص)

في قلب المشهد اليمني المعقد، حيث تتداخل السياسة بالأمن وتُعاد صياغة الولاءات باستمرار، تطفو إلى السطح بين الحين والآخر شخصيات تُجسِّد هذا الالتباس وتُثير الجدل حول أدوارها وحدود علاقتها بمراكز القوة والنفوذ.

 من بين تلك الأسماء، يبرز العميد أمجد خالد فرحان، لا بوصفه قائدًا عسكريًا سابقًا فحسب، بل كنموذج مثير للتساؤل، حيث ظل الرجل حاضرًا في تقاطعات حساسة من مسارات العمل العسكري والسياسي، وسط اتهامات متبادلة وشهادات متضاربة، بعضها ينسب إليه أدوارًا وطنية، وأخرى تربطه بشبكات وتحالفات مع أطراف معادية. 

في هذا التقرير، يُعيد "المجهر" فتح ملف العميد أمجد خالد، عبر رصد مسيرته، وتحليل مساحات الالتباس التي تكتنف دوره، واستعراض وقائع وتحقيقات رسمية، تقدم صورة عن شخصية الضابط الغامض.

 

علاقات مشبوهة

 

كشفت مصادر أمنية لـ"المجهر" عن تنسيق بين أمجد خالد، والقيادي في ألوية العمالقة حمدي شكري، لاحتواء عناصر متشددة من تنظيمي "القاعدة" و"السلفيين" في مناطق التربة وطور الباحة، من خلال شخصية متطرفة تُدعى أحمد الصرة، المصنف كأحد أخطر المطلوبين.

وأشارت المصادر إلى أن أمجد خالد كان قد اتخذ من منطقتي التربة وطور الباحة منطلقًا لتمركزه وتحركاته، تحت غطاء قوات محور طور الباحة بقيادة الجبولي، حيث نفذ أنشطة تبين لاحقًا أنها مشبوهة وذات تأثير سلبي على الوضعين الأمني والعسكري في المنطقة.

وأكدت المصادر أن خالد لم يكن يتحرك بشكل منفرد، بل كان على تواصل وتنسيق دائم مع حمدي شكري، الذي وفر له تسهيلات مكنته من احتواء عناصر متشددة نشطت بشكل لافت في تلك المناطق.

وأوضحت أن هذا الغطاء وفر بيئة خصبة لاختراق جماعة الحوثيين لهذه الشبكات واستخدامها في تنفيذ عمليات استهداف واغتيالات طالت شخصيات أمنية ورموزًا للدولة بمدينة التربة، بما في ذلك الموظف الأممي في برنامج الغذاء العالمي مؤيد حميدي. 

وأفادت المعلومات بأن حملة أمنية مشتركة تحركت إثر ذلك وتمكنت من التحفظ على أمجد خالد، بعد ثبوت تورط بعض عناصره في تنفيذ عمليات اغتيال، قبل أن يتمكن من الفرار في منتصف مارس/آذار الماضي من مركز احتجازه التابع لمحور طور الباحة، لتظل تحركاته مجهولة حتى تأكد خروجه من اليمن.

وخلال الأشهر الماضية، نفذت السلطات الأمنية في مديرية الشمايتين حملة مداهمات واسعة استهدفت مقرات تابعة لأمجد خالد في مدينة التربة، على خلفية هروب أحد أخطر عناصره، الذي تمكنت من اعتقاله لاحقًا. 

وخلال المداهمات، ضبطت القوات كميات كبيرة من الأسلحة وعبوات ناسفة ودراجات نارية مفخخة، في وقت تواصل فيه الحملة الأمنية عملياتها لتعقب ما تبقى من خلايا أمجد خالد، والتي يُعتقد أنها تلقت دعمًا وتغطية من أطراف داخلية. 

وأشارت المصادر إلى أن خالد كان يقود شبكة مترابطة تضم عناصر من "القاعدة" والسلفيين، وكان على تواصل مستمر مع عمار صالح في الساحل الغربي، حيث سبق له التمركز في المخا قبل انتقاله إلى مناطق تعز، كما ثبت تورطه في فتح قنوات تواصل مع الحوثيين. 

وأكدت المصادر أن وجود خالد في التربة وطور الباحة شكّل غطاءً خطيرًا لتلك الجماعات المتشددة، وأسهم بشكل مباشر في زعزعة أمن تعز واستقرارها، قبل أن تتدارك الجهات الأمنية والعسكرية الموقف وتبدأ حملة مكثفة لفكفكة هذه الشبكات وقطع خطوط الإمداد والدعم.

 

شخصية غامضة

 

يعد العميد أمجد خالد أحد أكثر الضباط إثارة للجدل، من موقعه كقيادي بارز في صفوف القوات الحكومية، إلى اتهامات بالتواطؤ مع تنظيمات متطرفة وصولاً إلى شُبهات تنسيق مع الحوثيين، تباينت الروايات، واختلفت الولاءات، بينما ظل الرجل حاضرًا على خارطة الصراع بغموض كثيف. 

عقب تحرير العاصمة المؤقتة عدن في مارس/أذار 2015، بدأت الحكومة الشرعية إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية والتي تضمنت قوة تابعة للرئيس السابق عبدربه منصور هادي حملت اسم "ألوية الحماية الرئاسي" وأحدها هو لواء النقل العام الذي قاده أمجد خالد حتى مطلع العام الماضي. 

ونتيجة للتوترات السياسية التي عصفت بالمناطق المحررة جنوب اليمن خلال العام 2017، انقسمت الولاءات العسكرية، وصُنف القادة على حسب مواقفهم من الشرعية والانتقالي، ومع سيطرة الأخير عسكريا على العاصمة المؤقتة ومحافظات أخرى، بدأت الصراعات والتصفيات تطفو على السطح. 

وتشير المعلومات والتقارير السابقة إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي شن حملة شرسة ضد المعارضين له من القادة العسكريين، حيث أسند لهم تهمًا عديدة، وطالت حملاته حتى أولئك الذين استخدمهم وتعاونوا معه في وقت سابق. 

في الثالث والعشرين من يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، صدر قرار مجلس القيادة الرئاسي بإقالة العميد أمجد خالد من قيادة لواء النقل وتعيين العميد الركن أحمد جابر القطيبي بديلا عنه. 

وبعد ذلك بنحو شهرين نجا خالد من محاولة اغتيال في منطقة العبر بمحافظة حضرموت، شرقي البلاد، ما طرح تساؤلات عدة بشأن الجهة التي أرادت التخلص من الرجل وطي ملفه المليء بالغموض. 

 

أحكام بالإعدام 

 

أواخر مايو/ أيار 2024 أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة المؤقتة عدن أحكاما بإعدام أمجد خالد و7 آخرين في قضيتي تفجير موكب المحافظ أحمد لملس وتفجير مطار عدن الدولي. 

وبيّنت تحقيقات النيابة المتخصصة حينها، ضلوع أمجد خالد في 7 عمليات إرهابية بينها تفجيرات بسيارات مفخخة استهدفت مسؤولين كبار وتسببت بمقتل عشرات الأبرياء، وفقًا لقرار الاتهام. 

وردًا على ذلك، اعتبر خالد قرار إعدامه حكما سياسيا صادر عن هيئة غير محايدة وغير شرعية تنفذ أجندة المجلس الانتقالي الجنوبي، قبل أن يعاود الظهور مجددا ليكشف تفاصيل عن تورط الانتقالي في اغتيالات عدن، حد قوله. 

وقال أمجد خالد إن القيادي في المجلس الانتقالي هاني بن بريك اجتمع معه في وقت سابق مع ضباط آخرين بينهم محمد البوكري ومهران القباطي، وُطلب منهم تصفية عدد من القيادات في عدن مقابل 100 ألف دولار عن كل شخص، مؤكدا رفضهم للعرض. 

وأكد أنه تلقى دعما من السلطات الرسمية لتعقب القضايا الأمنية، وتمكن وفريقه من ضبط خلية اغتيال كانت تستهدف أحد قيادات المقاومة الشعبية في عدن بالإضافة إلى خلايا أخرى، تم توثيق عمليات ضبطها في محاضر رسمية. 

 

صراع سرديات

 

تمكنت حملة أمنية مشتركة من التحفظ على أمجد خالد في الحادي عشر من فبراير/شباط الثاني أثناء تواجده في مدينة التربة، في خطوة جاءت بناء على توجيهات مجلس القيادة الرئاسي على خلفية انخراط الرجل في "أنشطة مشبوهة لصالح جهات معادية"، بحسب مصدر عسكري تحدث لـ"المجهر" حينها. 

وأكد المصدر أن الشخصية العسكرية المثيرة للجدل مطلوب لوزارة الدفاع والسلطات الرسمية بتهم عدة، وهو الأمر الذي أدى لإزاحته من قيادة لواء النقل العام، لكنه واصل التنقل بين مناطق نفوذ الحكومة المعترف ومناطق سيطرة الحوثيين، ما دفع إلى طرح تساؤلات عن أدواره في زعزعة استقرار المناطق المحررة. 

ووفقًا للمصدر العسكري ذاته، فإن التحفظ على أمجد خالد مطلع العام الجاري جاء بعد فترة وجيزة من عودته متخفيا إلى مدينة التربة جنوب غرب تعز، وهو ما يدل على يقظة الأجهزة الأمنية، ويفند الإدعاءات التي تواصل شيطنة المنطقة واعتبارها ملاذا لتصدير العنف إلى محافظات مجاورة. 

وكان "المجهر" أولى الوسائل التي كشفت تفاصيل واقعة اعتقال أمجد خالد من قبل حملة أمنية مشتركة سيّرها قائد محور طور الباحة العسكري اللواء أبوبكر الجبولي، إلا أن الأخير سرعان ما بادر بالنفي مؤكدًا أنه لا صحة لاعتقال خالد من قبله، وفق البيان. 

واعتبرت مصادر عسكرية أن نفي طور الباحة لواقعة الاعتقال على الرغم من ثبوتها، كان لتخفيف الضغط على المحور وقائده الجبولي، من قبل القوى التابعة للشرعية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يكن عداءً كبيرًا لأمجد خالد متهمًا إياه بارتكاب جرائم جسيمة. 

وبعد نحو يومين من التحفظ على قائد لواء النقل السابق، سارعت وسائل إعلام محلية إلى إعلان تهريب أمجد خالد من سجن اللواء الرابع الذي يقوده الجبولي إلى جانب قيادته للمحور، وهو الشخص ذاته التي تؤكد المصادر علاقته الوثيقة بالأول قبل أن يتنبه لأعمال أمجد خالد ويلغي ارتباطاته فيه.

 

ابتزاز سياسي مبطن

 

في السادس من يونيو/حزيران الجاري ظهر أمجد خالد في مقطع مرئي مهددًا حزب الإصلاح بـ"نشر الغسيل" قائلا أن بحوزته تسجيلات موثقة عن لقاءات واتفاقات سيتم توضيحها للناس، دون أن يكشف عن مزيد من التفاصيل حولها. 

تصريحات خالد جاءت عقب قيام حملة أمنية مشتركة من محور طور الباحة العسكري وإدارة أمن الشمايتين بمداهمة منزله ومنازل أتباعه في مدينة التربة جنوب غرب تعز، وأسفر ذلك عن ضبط متفجرات وعبوات ناسفة وعدد من السيارات والدراجات النارية، وفقًا لما أفاد به مصدر أمني لـ"المجهر". 

واعتبر مراقبون ظهور أمجد خالد مجددا في مكان لم يحدده هو بعد نحو أربعة أشهر من وقوعة في قبضة القوات الحكومية، أمرًا مثيرا للجدل، في ظل الحديث عن علاقات الرجل المتشعبة مع أكثر من جهة، وتصريحاته المتناقضة. 

وأظهر خالد في أحدث توضيح له استياءً واسعًا من قائد محور طور الباحة العسكري اللواء الركن أبوبكر الجبولي ومدير أمن الشمايتين العقيد عبدالله سعيد الوهباني، إثر قيامهما بتسيير الحملة الأمنية الأخيرة، واصفًا ذلك بـ"الغدر للمرة الثانية"، على اعتبار أن المرة الأولى كانت مطلع العام الجاري. 

وعلى الرغم من عدم تقديم الرجل أدلة كافية تثبت عدم صوابية الإجراءات الأمنية إلا أنه حاول تسويق نفسه كقيادي مؤثر له ارتباطات عليا مع "الإصلاح" الذي كرر في حديثه دعوة الحزب إلى "لملمة الأمور وترتيبها"، في حين لم يصدر عن الأخير أي رد عن ما ورد في حديث أمجد خالد. 

وتشير مصادر مطلعة تحدثت لـ" المجهر" أن أمجد خالد متعدد الولاءات ولم يحدث أن استقر في كنف جهة معينة أو قطب سياسي محدد الأمر الذي جعله عرضة للاختراق والاستقطاب من قبل القوى المعادية للشرعية اليمنية لا سيما القاعدة وجماعة الحوثيين. 

وتؤكد المصادر أن القيادي السابق في القوات الحكومية يتواجد حاليًا خارج البلاد دون تحديد دقيق للمكان، مرجحةً أن يكون قد زار صنعاء عقب هروبه من سجن تابع لمحور طور الباحة العسكري في مارس/آذار الماضي، وهي الواقعة التي أكدها في توضيحه الأخير.

 

تحركات أمنية مكثفة


خلال زيارته للشمايتين الأربعاء الماضي، أكد مدير عام شرطة محافظة تعز، العميد منصور الأكحلي، أن قيادة الأمن ماضية في جهودها لتجفيف بؤر الإرهاب والجريمة المنظمة، مشددًا على أن تعز ستبقى خالية من العصابات الإجرامية وخلايا الإرهاب. 

وشدد الأكحلي على ضرورة رفع مستوى الجاهزية الأمنية والانضباط، ومضاعفة الجهود لتحسين الأداء الشرطي في ظل التحديات الراهنة.

كما أشاد بجهود منتسبي الأمن في حفظ النظام، مؤكدًا على أهمية التنسيق بين الوحدات المختلفة لإحكام السيطرة الأمنية ومكافحة الجريمة المنظمة.

وفي مركز شرطة الصافية، دشّن مدير عام الشرطة غرفة التحكم المرئي الخاصة بكاميرات المراقبة، التي تهدف إلى تعزيز الرقابة الميدانية والاستجابة السريعة للحوادث الأمنية.

وأشار العميد الأكحلي في ختام زيارته إلى أن الخطط الأمنية مستمرة لتطوير العمل في مختلف أقسام الشرطة، بما يعزز ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية ويسهم في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في المحافظة.