مطلع يوليو/تموز الجاري، أعلنت الأمم المتحدة عن توصل المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في مدينة تعز ومنطقة الحوبان إلى اتفاق فني مشترك، يهدف إلى إعادة تأهيل وتشغيل وضخ المياه من المصادر الرئيسية المتوقفة، في محاولة لمعالجة أزمة المياه الخانقة التي تضرب المدينة منذ سنوات.
الاتفاق، الذي يأتي بدعم من صندوق اليمن الإنساني وعدد من المنظمات الدولية، وُصف بأنه "خطوة هامة نحو استعادة واحدة من أكثر الخدمات الحيوية تضررًا"، غير أن الكثير من التساؤلات تدور حول طبيعة هذا الاتفاق، ومدى حياديته، وهل يمثّل بالفعل مصلحة عامة للسكان، أم يُعاد توظيفه سياسيًا لصالح جماعة الحوثي التي تسيطر على الحوبان ومصادر المياه الرئيسية المحيطة بالمدينة؟
مضمون الاتفاق
تتبع موقع "المجهر" الاتفاقية المعلنة بين مؤسستي المياه في مدينة تعز والحوبان، وحصل على معلومات حصرية تتعلق ببنود الاتفاق وتفاصيله الفنية والإدارية.. في هذا التقرير نكشف للمرة الأولى عن مضمون الاتفاقية، ونجيب على تساؤلات واسعة حول طبيعة التنفيذ، وضمانات الحياد، وغيرها من تفاصيل اتفاقية تعد في الحقيقة امتدادًا لهيمنة الحوثي وتعزيز سيطرته على المدينة.
يقول مصدر مسؤول في السلطة المحلية بتعز، لـ "المجهر"، إن الاتفاقية بين مؤسستي المياه في المدينة والحوبان، تحت مسمى "الاتفاقية الفنية لإعادة تأهيل وتشغيل وضخ المياه من المصادر الرئيسية المتوقفة المغذية لتعز (المدينة والحوبان"، جاءت في إطار التفاهم لتحسين مستوى خدمات المياه والصرف الصحي للسكان في كلا الجانبين.
ويضيف المصدر، أن الاتفاق برعاية ودعم فني من الجهات المساندة، وفي مقدمتها الممثل المقيم للأمم المتحدة في اليمن، نيابة عن منظمة الأمم المتحدة، والذي سيتولى بدوره حشد التمويلات والدعم لتنفيذ الأنشطة والمشاريع المرتبطة بالاتفاقية.
ويوضح أن الاتفاقية، المترجمة أيضًا إلى اللغة الإنجليزية، تتكوّن من 9 مواد رئيسية، تبدأ بالأهداف التي تركز على تخفيف معاناة السكان وضمان التوزيع العادل للمياه في المدينة والحوبان، وإنشاء فريق فني مشترك من الطرفين لإدارة الموارد المائية، وتحسين التغطية وكفاءة التحصيل، وترشيد استهلاك المياه، مع التأكيد على توزيع المياه من خلال الشبكة الرئيسية التابعة للمؤسسة المحلية، وتغذية الخزانات العامة، والحفاظ على المياه الجوفية.
ويشمل نطاق الاتفاق في مرحلته الأولى، إعادة تأهيل وتشغيل حقلي الحيمة وحُبير، على أن تشمل المراحل اللاحقة حقول الحوجلة والعامرة والضباب (منطقة حذران)، بحيث تُغذي هذه الحقول خزانات المؤسسة لإعادة توزيعها وفقًا لعدد السكان، حسب ما تحدده اللجنة الفنية المشتركة، ووفق ما نص عليه الملحق الفني للاتفاق.
فريق مشترك
نصّت المادة الثالثة بحسب المصدر، على تشكيل فريق فني مشترك يضم فنيين وإداريين من المؤسستين بعدد متساوٍ، يتولى مهام التخطيط والتشغيل والتحصيل، وتقديم تقارير فنية شهرية، وإدارة شبكات الضخ، واقتراح تسعيرة مناسبة تُراعي نفقات التشغيل ومعدل الإهلاك واستعادة الكلفة، دون الإخلال بالقانون رقم 20 لسنة 2001 بشأن إنشاء المؤسسة.
وأكد المصدر ذاته أن المرحلة الأولى من الاتفاق ستحظى بتمويل من الجهات المانحة لتأهيل وتشغيل 13 بئرًا من حقلي الحيمة وحُبير، إضافة إلى تأهيل الشبكات الفرعية والرئيسية، وضمان حصول السكان المجاورين للحقول على حصتهم من المياه، على أن تشمل المرحلة الثانية، بعد نجاح الأولى، إعادة تأهيل حقول الحوجلة والعامرة والضباب (حذران)، كما ورد في نص الاتفاق.
ويشير المصدر لـ "المجهر" إلى أن المواد (5–6–7) تضمنت آليات تفصيلية للتنفيذ والرقابة، منها تركيب عدادات رئيسية لقياس كميات المياه المنتجة والموزعة، وضمان العدالة في التوزيع، وترشيد الفاقد، وتقييم الأداء بشكل دوري، بينما أقرت المادة السادسة توقيع الاتفاق من المؤسستين، واعتماده رسميًا من الممثل المقيم للأمم المتحدة، وحددت المادة السابعة بدء سريانه من تاريخ التوقيع.
فيما تنص المادة الثامنة، على أن مدة الاتفاقية مفتوحة، وقابلة للتحديث بتوافق الطرفين، فيما اشتملت المادة التاسعة على خمسة أحكام ختامية ملزمة، تحدد مسؤولية كل طرف في التنفيذ، وآلية حل الخلافات عبر اللجنة الفنية أو باللجوء إلى جهة محايدة متمثلة بـ "كتلة المياه والإصحاح البيئي" بقيادة اليونيسف، باعتبارها جهة تنسيقية مستقلة.
ويؤكد المصدر أن الاتفاقية مرفقة بثلاثة ملاحق تشمل قرارات تسمية اللجنة الفنية، وقائمة المشاريع والتدخلات المرتبطة بها، وقائمة الآبار والمصادر المشمولة.
ابتزاز مستقبلي
رغم الترحيب الأممي بهذه الخطوة، إلا أن الاتفاقية أثارت تحفظات واسعة في أوساط سكان مدينة تعز، إذ يتخوف كثيرون من أن يؤدي الاتفاق إلى تكريس واقع الانقسام وتحويل شريان الحياة المائي إلى أداة ابتزاز سياسي في يد جماعة الحوثي، خصوصًا وأن الحقول المائية المشمولة تقع في مناطق خاضعة لسيطرة الجماعة، التي سبق وأن استخدمتها ورقة ضغط لخنق المدينة.
وحذر مراقبون أن الاتفاق قد يبدو ظاهريًا تقنيًا وإنسانيًا، لكنه في جوهره يُعيد ربط المدينة بمصادر خاضعة لطرف يُحاصر تعز منذ عشر سنوات، دون وجود ضمانات كافية بعدم استخدام هذه المنظومة كسلاح ضغط مائي مستقبلي.
يقول الصحفي عبدالسلام القيسي إن قصف جماعة الحوثي لجبهة تعز الشرقية يعيد إلى الواجهة خطورة الثغرة التي شكّلها فتح المعبر، مشيرًا إلى أن ذلك حدث رغم وجود تهديد عسكري واضح، من أجل التخفيف عن السكان. ويضيف متسائلًا: "ولكن كيف يؤتمن الكهنوت بتسليمه ماء المدينة، شرب وحياة الملايين؟".
ويوضح القيسي في منشور على فيسبوك: "خشية إغلاق المعبر جعلت البعض يتجنبون الخوض في التفاصيل، وعندما يعود الماء بماسورة يتحكم بها الكهنوت، سنكون أعجز عن فعل أي شيء".
ويستطرد: "إذا عاد الماء للناس في تعز من جهة الحوثي، سيرفضون أي تحرك تحرري، وسيتحولون ضد أي رد فعل لحفظ كرامة المدينة، معتبرًا أن "الماسورة لن تكون مجرد ماسورة ماء بل سلاح كهنوتي وخطير".
ويشير إلى أن البنية المائية البديلة التي اعتمدت عليها المدينة خلال سنوات الحصار ستتهالك، وستتحول مياه الطرف الآخر إلى نقطة ضعف، معتبرًا أن الحوثيين يسعون لثني المدينة عن التفكير بـ "ما بعد خط الحصار"، وأنهم "بالماء ينجحون".
ويدعو إلى عدم تسليم "قدر الملايين في تعز المحررة لغازٍ رفض أن يعيد الماء وقت حاجة الناس الحقيقية، ويريدها الآن كي لا نتخطى هذه الحاجة والثغرة"، مؤكدًا: "هو اختراق ناعم، خلفه دور عسكري ومخابراتي، وسلبنا سردية المعركة الوطنية، وكسره للعطش وسيلة لكسر إرادة المدينة".
ويرى القيسي أن الاتفاقية لإعادة ضخ المياه من مناطق الحوثي تعد خطوة ضمن "تكتيك حربي متقن يخلخل الجبهة الداخلية ويجعل الناس بمواجهة سلطة المحرر، والناس هم أصل الصمود". مشيرًا إلى أن مشكلة تعز الحقيقية تكمن في أنها "محاصرة حتى هذه اللحظة"، وأن فتح المعبر دون حلول شاملة لملفات مثل توحيد العملة، والاكتفاء، والاستيعاب، تسبب في ضغط هائل على المدينة.
تابع المجهر نت على X