الاثنين 20/مايو/2024
عاجلعاجل

صك النقود المعدنية.. هل يبني الحوثيون نظامهم الاقتصادي الخاص؟ (تقرير خاص)

صك النقود المعدنية.. هل يبني الحوثيون نظامهم الاقتصادي الخاص؟ (تقرير خاص)

يوما بعد آخر, تنكشف نوايا جماعة الحوثي الإرهابية في عرقلة مسار عملية السلام في اليمن، من خلال مخططاتها التي تهدف إلى المضي قدماً في تشكيل نظامها الخاص، وعزل الشمال عن الجنوب بدلا من إيجاد أرضية مناسبة للتقارب بين صنعاء وعدن.

وبالإضافة لتصعيدها على المستوى العسكري والسياسي المستمر لأكثر من تسع سنوات، كان للجانب الاقتصادي نصيبا من هذا التصعيد من خلال خطوات غير قانونية فرضتها بقوة السلاح في مناطق سيطرتها.

ومطلع الأسبوع الجاري، أعلن البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين تدشين تداول العملة المعدنية فئة مائة ريال بديلا للعملة التالفة، في حين تشهد اليمن انهيارا اقتصاديا متصاعداً.

 

تصعيد اقتصادي

 

تدعي جماعة الحوثيين أن الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها ستساهم في الدفع بتعجيل التوقيع على خارطة الطريق، فيما اعتبرتها قيادة السلطة الشرعية خطوات تصعيدية وتعقد من تعامل المواطنين في السوق.

وقال مدير فرع البنك المركزي بصنعاء القيادي الحوثي هاشم إسماعيل، إن صك عملة معدنية فئة مائة يأتي ضمن الحلول لمواجهة مشكلة العملة التالفة كونها تأتي بديلاً لها، متوعداً بسلسلة من الإجراءات الاقتصادية عقب هذا الإعلان.

من جهته، عبر البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن عن رفضه القاطع لإقدام الحوثيين على صك عملة نقدية جديدة واعتبره ذلك تصعيداً خطيراً، مؤكداً على أن العملة المعدنية التي أصدرتها الجماعة تظل مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني.

وأمس الثلاثاء, أصدر البنك المركزي في عدن قراراً يقضي بإلزام كافة البنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر بنقل مقراتها الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة عدن خلال مدة أقصاها ستين يوماً.

وفي قراره الذي اطلع "المجهر" على نسخة منه، هدد البنك باتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق البنوك التي ستتخلف عن تنفيذ القرار طبقاً لأحكام قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

كما أشار البنك إلى احتفاظه بحقه القانوني في اتخاذ الإجراءات القانونية الاحترازية لحماية الأصول المالية للمواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية، محملاً جماعة الحوثي عواقب هذا التصعيد اللا مسؤول.

 

سيادة العملة

 

بعد يوم واحد من إعلان جماعة الحوثي صك عملة جديدة فئة مائة ريال، عقدت القيادة السياسية في العاصمة المؤقتة عدن برئاسة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي للاطلاع على الموقف الاقتصادي في البلاد.

وفي الاجتماع الذي ضم رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزيري التجارة والصناعة ورئيس الفريق الاقتصادي، تم التطرق إلى تقارير الأداء الاقتصادي والمؤسسي وجهود تعزيز الاستقرار النقدي والمالي.

وأكد الرئيس العليمي، على ضرورة مضاعفة الجهود "لاحتواء تداعيات الإجراءات الممنهجة للميليشيات الحوثية المدمرة للاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي والمدخرات المجتمعية".

إلى ذلك، قال سفير اليمن لدى بريطانيا الدكتور ياسين سعيد نعمان، إن إقدام الحوثي على اصدار عملة نقدية جديد دليل على موقفه الرافض لإنهاء الحرب، وإصراره على المناورة بخارطة السلام.

وأوضح السفير ياسين، في منشور له على منصة "فيسبوك" أن " إصدار الحوثي العملة المعدنية من فئة مائة ريال هو تعبير عن المأزق الذي أوصل إليه البلاد" معتقدا أن ذلك مؤشر للمرحلة الحرجة المثقلة بحمولة تاريخية أرهقت اليمن وعطلت نهوضه.

وأكد الدبلوماسي اليمني أن صك الحوثي عملة نقدية جديدة هي خطوة من خطوات اقتصادية ونقدية قادمة ولا بد من قراءتها ببعد سياسي وعدم الاستهانة بها، مضيفاً " لا يمكن تفسيرها إلا بأنها دليل آخر على موقفه الرافض لإنهاء الحرب، والمناورة بخارطة السلام لإنتاج عوامل إضافية لمواصلة الحرب".

وأشار نعمان إلى أن إصرار جماعة الحوثي على تحطيم آخر عنصر سيادي في الدولة يؤكد تمسكها بمسارها المغامر في مواصلة تدمير البلاد، بعيداً عن الحلول الممكنة.

 

السيولة النقدية

 

بررت جماعة الحوثي إقدامها على صك عملة معدنية لتغطية العجز الحاصل في الفئات النقدية الصغيرة وتعويض العملة الورقية التالفة من فئة خمسين ومائة ومائتين ريال، وتعليقاً على ذلك قال الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي، إن هذه الفئات النقدية تالفة منذ سنوات وليست من الآن.

وذكر الباحث عبدالواحد العوبلي في حديثه لـ "المجهر" أن المواطنين عندما ذهبوا لتبديل ما لديهم من أوراق تالفة، رفضتها البنوك بحجة أن الرقم التسلسلي في العملة ينبغي أن يكون واضحاً" مشيراً إلى أن الجماعة تعرف أنها تالفة ولو كانت العملة سلمية لما كانت هناك حاجة لصك نقود جديدة.

ويرى العوبلي أن إقدام الحوثي على صك عملة نقدية جديدة هو مجرد تمهيد لطباعة عملات نقدية أخرى سواء معدنية أو ورقية، مضيفاً أن الحوثي يمتلك آلة صك النقود ولا يحتاجون لاستيرادها من الخارج.

وأوضح أن العملات النقدية فئة 50 و20 و 10 أصبحت الآن غير ذات قيمة، وفئة 100 هي أقل ما يمكن استخدامه "للفكة" حتى أن فئة 500 ريال أصبحت لا تكفي لكثير من مشاوير المواصلات داخل المدن.

ورجح الباحث الاقتصادي سير جماعة الحوثي نحو طباعة فئات أكبر من العملة النقدية بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات في اليمن خصوصاً في مناطق الحوثي التي أصبحت الأسعار مبالغ فيها.

وأكد العوبلي أن تداول عملة نقدية جديدة في مناطق الحوثي سيزيد من حالة الانقسام النقدي التي اخترعتها الجماعة، مشدداً على أن الخطورة تكمن في أن هذه الخطوة ستعزز من حالة الانعزال النقدي في البلاد.

وأشار إلى أن هذه القرارات هي واحد من سلسلة لا متناهية من القرارات الحوثية الرعناء التي قال إنها تصب في صالح نهب الجماعة لموارد البلد ومدخرات المواطنين وتضر بمصلحة الاقتصاد الوطني ".

وأفاد الباحث العوبلي بأن طباعة عملة جديدة سيزيد من العرض النقدي وعملية التضخم الموجودة أصلا، كما أن محاولة الحوثي فرض سعر عملة في مناطق سيطرته بالقوة، سيعمل على زيادة أسعار السلع والخدمات التي يحصل عليها الناس، وهنا تكمن المشكلة في زيادة التضخم. على حد تعبيره.

 

بوابة للتزوير

 

يسعى الحوثيون من خلال إقدامهم على طباعة نقود جديدة إلى فرض البنك التابع لسيطرة الجماعة بنكاً رسمياً وشرعياً، لأن طباعة العملة من اختصاص البنوك الرسمية وجماعة الحوثي محرومة من هذه الخطوة كونهم يسيطرون على بنك غير شرعي.

وبهذا الصدد, يقول الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي لـ "المجهر" إن الحوثي يريد طباعة نقود بإرادته لتغطية أي عجز في الميزانية، أما مسالة تأثير ذلك على حالة التضخم في البلاد فتأتي في آخر اهتمامه، كونه لا يعير بالاً لزيادة معاناة الناس وانهيار قيمة الريال اليمني.

ويضيف " العملة التي أصدرها الحوثيون هي أصلا غير شرعية ومزورة وغير قابلة للاستبدال على الأقل مع العملة القديمة التي كان يحتفظ بها الحوثي التي بإمكان المواطنين في جنوب اليمن استبدالها بالعملة الجديدة التي طبعتها الشرعية بغض النظر عن قيمتها".

كما ذكر أن إقدام الحوثي على طباعة عملة مزورة بفئات أخرى ستكون مفتقرة لمواصفات العملة الشرعية مثل العملة المعدنية التي دفع بها الحوثي للسوق، متوقعاً أن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه للتزوير من قبل اي شخص أو جهة.

وبين الباحث العوبلي أن الموطن عندما يريد إرسال مبالغ مالية إلى عدن أو المناطق الجنوبية يستلزم عليه تحويل النقد الحوثي المزور إلى عملة صعبة، كون المواطنين مضطرين للتعامل معها إذا تم تسليمها لهم كرواتب.

ويتساءل فيما إذا كانت البنوك والمؤسسات المالية ومحلات الصرافة والتجار في مناطق الحوثي ستقبل إعطاء أموالهم بالعملة الصعبة مقابل عملة مزورة يمكن لأي جهة أن تطبع مثلها.

 

العملة الوطنية

 

يعتقد خبراء ومحللون اقتصاديون أن إصدار الحوثيين لعملات نقدية جديدة سيؤثر على تثبيت استقرار العملة في مناطق الحوثيين، إلا أن الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، يرى أن الخطورة ليست في ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وإنما في كون هذه الخطوة " تمس آخر رمز سيادي يوحد اليمنيين وهو العملة الوطنية".

وقال الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح في حديثه لـ "المجهر" إن إصدار الحوثيين عملة جديدة " يعني أنهم غير معبرين لأي إجراءات أو جهود لتوحيد السياسة النقدية وتوحيد العملة الوطنية كمقدمة لتسوية سياسة للسلام في اليمن".

وأضاف أن تعامل الحوثيين مع شحة السيولة والعملة التالفة، تضع البنك المركزي في عدن أمام تحديات كبيرة في حال تم الإعلان عن إصدار نقدي جديد، كما يتطلب من الجماعة امتلاك أدوات وامكانيات تساعدها في ضبط وتنظيم الأنشطة المالية والمصرفية، دون وجود أي إجراءات مضادة ومعرقلة.

واعتبر أن هذه الخطوة الانفرادية ستعمل على تعقيد الوضع السياسي في اليمن، مضيفاً انها تنهي أي آمال لتقارب سياسي وتوحيد السياسة النقدية بين البنك المركزي في صنعاء وعدن.

ويستنتج الصحفي وفيق صالح، أن الحوثيين ماضون في تأسيس دولتهم الخاصة التي تعتمد على اقتصاد انفصالي مستقل بذاته عن المحافظات المحررة، مشيراً إلى أن ذلك يعد مجازفة خطيرة جداً كون الحوثيون داسوا على أي محاولات للتقارب.

 

حلقة مفرغة

 

لا شك أن قرار إصدار عملة جديدة من قبل الحوثيين لها مخاطر على الاقتصاد الوطني كونها تمت دون التنسيق مع البنك المركزي اليمني في عدن لأن وجود يمن موحد يعني بالضرورة وجودة عملة موحدة.

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور مطهر عبد العزيز العباسي، قيام بنك صنعاء بطباعة عملة جديدة يمثل مسمارا قويا في نعش الاقتصاد الموحد للبلاد وستدخل الوضع الاقتصادي في حلقة مفرغة، كونها تمت دون التنسيق مع عدن.

وأوضح العباسي في توضيح له على منصة "فيسبوك" أن هذه الخطوة " ستقود حتما إلى تدهور سعر صرف الريال في صنعاء، والذي سيدخل في سباق ماراثوني مع سعر صرف الريال في عدن، وقد يصل كل منهما إلى 2000 أو 3000 ريال للدولار، وربما أكثر".

وأضاف أن ذلك له مخاطر عديدة على أكثر من جانب، ومنها: اشتعال أسعار السلع والخدمات وارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية، بالإضافة إلى انهيار القيمة الحقيقية لثروات الأفراد والتجار والشركات المخزنة بالريال.

وذكر العباسي، أن البنك المركزي في سلطتي صنعاء وعدن عليهم مسؤولية تاريخية في معالجة الأوضاع الاقتصادية بدلاً من التجاذبات والمماحكات السياسية التي قال إنها " تمارس التقسيم والتشطير في أبشع صوره".

ويرى أن أمام البنكين واجب وطني لتعزيز أداء الاقتصاد الموحد حتى يؤثر إيجابا على الأداء السياسي والذي نأمل أن يشهد انفراجا قريباً.

 

التسوية الاقتصادية

 

يمتلك البنك المركزي اليمني في عدن كتلة نقدية كبيرة لم يدفع بها للتداول في السوق، ويمكن بها حل مشكلة السيولة في بنك صنعاء وإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق.

وفي هذا الجانب يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور مطهر عبدالعزيز العباسي، أن البنك المركزي يعد مؤسسة مستقلة وقد تمثل نموذجاً ناجحاً لإعادة التوحيد المؤسسي ووضع الترتيبات التنظيمية والإدارية والفنية بين نظام صنعاء وعدن.

وأفاد الدكتور مطهر العباسي في توضيح له على منصة "فيسبوك" بأن التنسيق بين بنك صنعاء وبنك عدن "سينتج عنه بالتأكيد توحيد العملة الوطنية وتوفير السيولة الملائمة، وهذا سيقود إلى استقرار الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد".

وبالعودة إلى جذور المشكلة الاقتصادية يشير العباسي، يشير إلى أن سلطة عدن وصنعاء ساهمتا في تفاقم ندرة السيولة القائمة في مناطق سلطة صنعاء، موضحاً أن بنك عدن أفرط في طباعة النقود لتمويل نفقات سلطة عدن ما نتج فائض في السيولة النقدية.

وأضاف أن فائض السيولة في عدن تحول إلى المضاربة في سعر الصرف وتدهور القوة الشرائية للريال في مناطق عدن، وبالمقابل اتخذ بنك مركزي صنعاء إجراءات غير رشيدة ساهمت في استفحال ندرة السيولة بمناطق سيطرتها.

وأوضح أن قرار معالجة ندرة السيولة بمناطق سيطرة الحوثيين تبقى في متناول البنك المركزي بصنعاء، من خلال رفع الحظر عن استخدام العملة الجديدة الصادرة عن بنك عدن خاصة فئات 100 و200 ريال والفئات العريضة من فئة 500 و1000 ريال كأولوية عاجلة.

وأضاف " بالتزامن مع ذلك، يمكن البدء بالتنسيق والتعاون بين قيادات البنك المركزي في كل من صنعاء وعدن واتخاذ إجراءات للرفع التدريجي للحظر على بقية الفئات من العملة".

ولفت إلى أن التفاهمات التي يمكن ان تمت بين البنكين سيتم البناء عليها لمعالجة أزمة التحويلات النقدية بين مناطق صنعاء ومناطق عدن وتوقيف حرب الحظر للبنوك وشركات الصرافة من الجانبين.

 

جس نبض

 

أثار قرار الحوثيين إصدار عملة نقدية جديدة موجة سخط كبيرة لدى الرأي العام ووسائل الإعلام المختلفة، كون ذلك يتعلق بمسألة سيادية تمس الاقتصادي الوطني لليمن الموحد.

ويعتقد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر أن هذا الإجراء يمثل جس نبض للاستمرار في إصدار فئات نقدية أخرى من العملة عند الحاجة، وكذلك بناء اقتصاد مستقل بشكل متكامل.

وأوضح أن التداعيات السلبية على القطاع المصرفي تتعمد على القرارات التي سيتخذها البنك المركزي اليمني في عدن والمؤسسات المالية الدولية والنظام المالي العالمي.

وفي المقابل يرى الصحفي مصطفى نصر، أن تأثير إنزال العملة المعدنية فئة مائة سيعتمد على حجم الكمية النقدية، فكلما تم الدفع بكمية أعلى من العملة المهترئة سيبدأ تدحرج سعر الريال نحو الهبوط مقابل الدولار في مناطق الحوثي.

من جهته, لا يعتقد رئيس مؤسسة عطاء الإنسانية التنموية عبدالرحمن البيضاني، أن إصدار الحوثيين عملة نقدية جديدة سيؤثر على سعر الصرف في مناطق سيطرته، لأن سعر الصرف قرار سياسي مفروض ولا علاقة له بالاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.

وقال البيضاني في منشور له على منصة "فيسبوك" إن مسألة العملة التالفة كان قد تم حلها مسبقاً من قبل بنك صنعاء المعين من خلال إصدار محافظ الكترونية وتفعيل الريال الالكتروني، مضيفاً أنه تم تمرير معظم الرسوم الجمركية والرسوم الضريبية عبر محفظة موبايل موني التابعة لكاك بنك.