عاجلعاجل

السلام والشراكة.. ذريعة حوثية للسيطرة على تعز بعد فشل الخيار العسكري (تقرير خاص)

السلام والشراكة.. ذريعة حوثية للسيطرة على تعز بعد فشل الخيار العسكري (تقرير خاص)

متابعة خاصة

تحاول جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا إلهاء الجميع بدعوات السلام والحلول التخديرية عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية التابعة لها، في حين تمارس الجرائم البشعة بحق المدنيين بما في ذلك قصف المنازل ومحاصرة المدن لا سيما مدينة تعز.

وتتعمد جماعة الحوثي إثارة الرأي العام المحلي من خلال تقديم دعوات فضفاضة لا تؤدي إلى طُرق واضحة أو من خلال طرح مقترحات تعجيزية في المفاوضات الأممية كي لا تصل إلى حوارات بنَّاءة مع الحكومة الشرعية.

وفي دلالة واضحة على زيف دعوات جماعة الحوثي فقد أقدمت مليشياتها، عصر أمس الاثنين، على استهداف الأحياء السكنية وسط مدينة تعز بقذيفتين خلفتا ضحايا من المدنيين.

ووفق مصادر محلية لـ "المجهر" أن قصفًا حوثيًا على منطقة حوض الأشراف أدى إلى مقتل المواطن عبده الجواد ناصر محمد الشيباني (50 عام) إثر إصابته بشظايا بالفخذ والرجل اليمنى، وتم إيصاله إلى أحد مستشفيات المدينة متوفيًا.

وفي حادثة منفصلة، أوضحت المصادر أن قذيفة حوثية سقطت قرب جامع الإيمان بحي الروضة شمال المدينة أدت إلى إصابة طفلين أحدهما يدعى كرم عبدالرزاق صالح علي (10 سنوات).

مناورة سياسية

في السادس عشر من أكتوبر/ تشرين أول الجاري ظهر رئيس ما يسمى المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، خلال كلمة له في منطقة الحوبان بمحافظة تعز ليتحدث عما أسماها دعوة إلى إدارة مشتركة لمحافظة تعز، وزعم أنها تهدف إلى إنهاء الجبهات العسكرية في المحافظة فيما لم يتطرق إلى جانب إنهاء الحصار وفتح الطرقات.

هذه الدعوة اعتبرها محافظ محافظة تعز نبيل شمسان، مناورة جديدة من قبل جماعة الحوثي لتبرير استهداف السكان في المدينة، مشيراً أنها لا تختلف عن تلك الدعوات التي اطلقتها الجماعة بشأن مأرب وغيرها من المناطق قبل أن تذهب عناصرها إلى هجمات بربرية فاشلة.

وفي بيان صادر عن المحافظ نبيل شمسان، قال إن تعز ليست بحاجة إلى مديح زائف ومبادرات خادعة من قاتلي أبنائها وأحد تجار الحرب من محيط المدينة في إشارة لكلمة المشاط التي ألقاها من مدينة الحوبان.

وألمح البيان، إلى أن الدعوة الاستعراضية للحوثيين تأتي استباقا لجهود الوساطة التي تقودها السعودية وما يترتب عليها من مكاسب للشعب اليمني والمضي قدما نحو السلام المنشود الذي تتهرب المليشيات من استحقاقاته العادلة.

وحذر البيان من أي تصعيد لمليشيات الحوثي تحت مبرر المناورة الاستعراضية في تعز، مشددة على ضرورة وجوب الانهاء الفوري للحصار على المدينة وباقي المحافظات.

ودعا المجتمع الدولي إلى إلزام جماعة الحوثي وداعميها إلى عدم اللجوء إلى أي استفزازات لخلطة الأوراق وعرقلة جهود السلام وتنفيذ التزاماتها المعلنة بشأن فتح حصار تعز.

حصار مستمر

ظلت لجان التفاوض التابعة لجماعة الحوثي، طيلة الفترة الماضية، تتنصل من أي اتفاقيات فيما يخص فتح الطرقات الرئيسية التي تربط محافظة تعز مع المحافظات والمدن المجاورة، لتتوقف المفاوضات في النهاية بحجة أنها لا تملك صلاحيات الموافقة بخصوص ذلك وأن الأمر مرتبط بزعيم الجماعة مباشرة.

مما يعني أن لا أحد من قيادات الحوثيين يملك صلاحيات كاملة لتقديم مبادرات سلام والموافقة على الاتفاقيات بما فيهم رئيس ما يسمى المجلس السياسي مهدي المشاط، كما أن أي أوامر يتخذها الحوثيون لا بد أن تكون متوافقة مع مشروع العنف والدمار الذي تعيش على أساسه الجماعة.

وفي هذا الصدد، نفى محور تعز العسكري على لسان ناطقه الرسمي العقيد عبدالباسط البحر، وجود أي مقومات لمبادرة حقيقية مع الحوثيين كون جماعة الحوثي لا تؤمن بالسلام.

وقال العقيد عبدالباسط البحر، في حديثه لـ"المجهر" إن ما تحدث بها المشاط مهزلة ولا يستحق مناقشتها، مبيناً أنها تندرج ضمن الدعوات الفارغة والدعائية من قبل الحوثيين وغرضها إلهاء المواطنين عن الجرائم التي ترتكبها الجماعة.

وأضاف البحر أن هناك دوافع كثيرة وراء دعوة المشاط، الغرض منها المزايدة الإعلامية من أجل تغطية حقيقة أن جماعة الحوثي هي المعرقل الرئيسي لجهود السلام في اليمن.

واستعبد وجود دوافع عسكرية خلفها كون قوة الحوثي أصبحت ضعيفة، لكنه عقب أن البلاد تعيش حالة حرب وكل الاحتمالات تظل واردة.

وذكر الناطق باسم محور تعز، نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي بالمحور العقيد عبدالباسط البحر، أن الجيش الوطني في تعز أكثر جاهزية لأي احتمالات قادمة، مؤكداً الالتزام بتوجيهات وقرارات القيادة العليا للسلطة الشرعية.

كما لا يرى البحر، وجود أي ضغوط خارجية خلف دعوة المشاط، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة فشلت مرارا في اجبار الحوثي على فتح الطرق والممرات المؤدية إلى تعز.

التزامات إنسانية

طالما أن قيادة محور تعز والسلطة المحلية في المحافظة تتبع الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، فمن الضروري أن تأتي الدعوات والمبادرات عبر طرق شرعية ورسمية حتى يتم التعامل معها.

وحتى يكون هناك نصيب من المصداقة والجدية لأي دعوات للسلام، لا بد أن تسبقها أولا حسن نوايا من قبل الحوثيين على الأرض بما في ذلك فتح الطرقات وإيقاف القصف على المدنيين وتدمير الأحياء السكنية وسط مدينة تعز.

وعلى أساس ذلك اعتبر الناطق باسم محور تعز العقيد عبدالباسط البحر، المبادرة التي أعلنتها جماعة الحوثي تهدف من خلالها إلى استمرار تهربها من الالتزامات الإنسانية برفع الحصار عن تعز.

وأوضح أن جماعة الحوثي لجأت إلى الحديث عن إدارة مشتركة لتعز للتعبير عن تخبطها وعجزها في اقتحام مدينة تعز وبقية مديريات المحافظة المحررة، لا فتاً إلى أنه في الوقت الذي تتحدث قيادة الحوثي عن المبادرة، تقوم مليشياتها بإعادة تنظيم وتوزيع عناصرها في جبهات تعز وطور الباحة والساحل الغربي.

وتحاول جماعة الحوثي صناعة أحداث جديدة لصرف الانتباه عن اخفاقاتها وتوجيه التركيز نحو إنجازات وهمية بهدف رفع معنويات عناصرها وقد وجدت في ملف تعز فرصة لذلك. وفقا للبحر.

مكيدة السلام

في الحقيقة لا يوجد ما يؤكد صحة ومصداقية الدعوة التي وجهها القيادي الحوثي مهدي المشاط بشأن تعز، كونها لم تحتوي على نقاط محددة وواضحة حتى يتم تفسيرها وفق المفاهيم الواردة فيها.

ويتفق مع ذلك الصحفي والمحلل السياسي أحمد شوقي أحمد، الذي قال إن الغرض من دعوة المشاط، هو إلقاء المسؤولية ورمي التهم على طرف الحكومة الشرعية في عرقلة أي جهود للتفاهمات.

وقال الصحفي أحمد شوقي في حديثه لـ"المجهر" إن "الحوثيين يريدون السيطرة الكاملة على البلد، وليسوا مستعدين لإيجاد حلول وسط وتقديم تنازلات للتخفيف من معاناة المواطنين في محافظة تعز".

كما لا يعتقد شوقي، أن الدعوة التي اطلقها المشاط تعكس مساراً جديداً لجماعة الحوثي في القضية اليمنية، مشيرا إلى أنها مجرد محاولات لكسب الوقت، حيث تحدث عما أسماها إدارة مشتركة وإيقاف للجبهات وأتبع ذلك بعبارة "هذه مبادرات إذا كانوا صادقين".

وأضاف أن المسألة لا تتوقف على دعوات شعاراتية وخطابية للمزايدة، وإنما تتعلق بمبادرة مصاغة بشكل واضح وتتضمن نقاط أساسية، لأنه على أساس ذلك يتم مناقشة التفاصيل.

مفاوضات مشهودة

على الرغم من أن الجميع يعرف أن جماعة الحوثي هي الطرف المعرقل لسير أي مفاوضات مع جانب الحكومة الشرعية إلا أن وجود شهود دوليين على المقترحات والمبادرات التي يقدمها الحوثيون لحلحلة الوضع، تعد نقطة مهمة لإيضاح من هو الطرف المعرقل.

ويرى الصحفي والمحلل السياسي أحمد شوقي أحمد، أن على الحكومة الشرعية أن تخلي مسؤوليتها حتى لا يتبين أنها ترفض أي تفاهمات، داعياً قيادة الشرعية إلى التفاعل الإيجابي والمطالبة بتقديم تصورات بمفاهيم واضحة ومحددة وقابلة للقياس حتى يتسنى الرد عليها.

وهناك من يذهب إلى تفسير دعوة المشاط على أنها مرتبطة بدعوات داخلية وخارجية لمطالبة جماعة الحوثي بإنهاء الحصار المفروض على مدينة تعز، فعلى ما يبدو أن عدد من رجال الأعمال الفاعلين والاجتماعيين توسطوا من أجل فتح الطرقات إلى جانب مساعي المجتمع الدولي بما في ذلك سلطنة عمان.

ولعل كل هذه المطالبات دفعت جماعة الحوثي للمناورة التي قامت بها من خلال الدعوة التي وجهها المشاط، في محاولة منها لإخلاء مسؤوليتها واستقبال الرفض المعروف مسبقاً من قبل السلطة الشرعية.

ومن الواضح، إن جماعة الحوثي لن تعمل على تقديم مقترحات بنَّاءة وإيجاد أرضية للتفاهم، لأنه وكعادتها تقوم الجماعة بفرض شروط تسلطية من طرف مفاوضيها وتضع أفقاً مسدوداً أمام أي مفاوضات.

محاولة يائسة

يبدو أن المسار الرئيسي للوصول إلى تفاهمات من أجل حلحلة الوضع في اليمن يكون في إقناع الحوثيين بالحوار أو عن طريق إجباره على فهم موقعه في الخارطة السياسية والاجتماعية والثقافية كونه يمثل طرفاً صغيراً في إطار المعادلة السياسية لكل مراكز القوى.

ومن منطلق هذه المفهوم فلا يحق لجماعة الحوثي أن تتشرط وتفرض أحكامها على باقي الأطراف وتملي عليهم ما تريده هي، وإنما ينبغي تمكين جميع الأطراف السياسية في اليمن من الوصول إلى تفاهمات.

وبدون ذلك يرى مراقبون أن من الصعب الوصول إلى حلول للسلام في اليمن، وأن أي تفاهمات ستبنى على دعوات مشابه لدعوة المشاط سينتهي بها المطاف إلى حروب وصراعات مستمرة لن تنتهي.

اقرأ أيضا: احتفالات سبتمبر.. الوعي الجمهوري يُفشل مشروع الإماميين الجدد (تقرير خاص)