بناء تنظيمي ينهشه صراع الولاءات.. المقاومة الوطنية تقاوم نفسها (تقرير خاص)

بناء تنظيمي ينهشه صراع الولاءات.. المقاومة الوطنية تقاوم نفسها (تقرير خاص)

تُعد "المقاومة الوطنية" في اليمن أحد التشكيلات العسكرية والسياسية الحديثة، حيث نشأت في 19 أبريل/ نيسان 2018م بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، كردة فعل في أعقاب مقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.

وتتمركز قوات المقاومة الوطنية التي تُعرف باسم قوات "حراس الجمهورية" في المناطق الساحلية لمحافظة تعز وأجزاء من محافظة الحديدة، وتضم في صفوفها قيادات ومقاتلين من مناطق جغرافية محددة، بعضها كانت ضمن تشكيلات عسكرية سابقة وانضمت لقوات طارق.

ومنذ تأسيس جناح سياسي للمقاومة الوطنية في 25 مارس/ آذار 2021م، بدأ طارق صالح في التخطيط لجعل المكتب السياسي أحد الأدوات المساهمة في تعزيز الحضور السياسي والعلاقات المجتمعية والتنظيمية، واستمر بعملية حشد واستقطاب سياسية وشعبية ملحوظة لغرض تكوين قاعدة جماهيرية لمكونه.

غير أن الواقع الميداني كشف خلال العامين الماضيين، عن تضارب في الأدوار وضعف في التأثير الميداني، وسط صراعات خفية تنخر في بنيته التنظيمية يقابلها نفوذ متصاعد لسلطة الظل الفاعلة ممثلة بعمار صالح.

كما ظهرت مؤخراً، تحديات داخلية متزايدة فيما يتعلق بتداخل الصلاحيات بين القيادة العسكرية والمكتب السياسي، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تضارب في القرارات والتوجهات.

 

الهيكل القيادي والتنظيمي

 

يتولى العميد طارق محمد عبدالله صالح القيادة العامة لقوات المقاومة الوطنية في مدينة المخا، وينفرد بصلاحيات التعيين وإصدار القرارات المتعلقة بالقيادات العسكرية داخل تشكيلاته بشكل مستقل عن الجيش الوطني للحكومة الشرعية والذي تعود فيه صلاحيات التعيين إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي.

يُشرف طارق على إدارة وتنظيم القوات عبر هيكل قيادي يضم عددًا من الضباط البارزين الذين يتولون مناصب محورية في مختلف الدوائر والوحدات العسكرية داخل المقاومة الوطنية، ولكن بصلاحيات متفاوتة.

يُعد العميد الركن عبدالرحمن عبدالقادر نعمان السامعي (من محافظة تعز) أبرز القيادات العسكرية في صفوف المقاومة حيث يشغل منصب رئيس العمليات إلا أنه لا يحظى بصلاحيات واسعة من قبل طارق صالح.

كما يعمل العقيد الركن صادق العنس نائبًا له في ذات الدائرة فيما يتولى اللواء الركن محمد عبدالله القوسي من محافظة ذمار مسؤولية التدريب والتوجيه العسكري في صفوف القوات.

أما العميد صادق دويد فيشغل منصب الناطق الرسمي باسم القوات، ويتولى العميد الركن صادق علي عبدالله الأكوع (من محافظة صنعاء) دائرة التأمين الفني في حين يُشرف العقيد بشير هزاع المقبلي على دائرة التسليح، ويدير الدكتور طارق العزاني الخدمات الطبية المقدمة لعناصر المقاومة الوطنية.

ورغم ذلك تنحصر الصلاحيات العسكرية بشخصيات محددة مقربة من مركز القرار تمتلك نفوذ وحضور قوي، مثل العميد مجاهد الحزورة قائد قطاع أمن الساحل الغربي، والذي يبدو أكثر تأثيراً في القرارات العسكرية من العميد عبدالرحمن السامعي، إلى جانب الدور المؤثر لصادق دويد الذي أصبح مستشارا عسكريا، وكذلك ضابط يدعى عدي العماد، مقرب بشكل كبير من طارق صالح.

 

سلطة الظل

 

تمتلك المقاومة الوطنية جهازاً أمنياً واستخباراتياً خاصاً لا يتبع أي جهة أمنية حكومية، ويتولى قيادته العميد الركن عمار محمد عبدالله صالح شقيق القائد العام ووكيل جهاز الأمن القومي سابقًا ويُعد من أبرز الشخصيات الأمنية في البلاد.

ويختص هذا الجهاز بإدارة الملفات الاستخباراتية والأمنية المتعلقة بالقوات كما يتولى فحص المنتسبين الجدد والتحقق من خلفياتهم قبل قبولهم رسميا في صفوف المقاومة، كما أنه يمتلك القرار النهائي في اعتمادهم فضلا عن توليه مهام حماية القيادات والمقار العسكرية وضمان أمن القوات.

ويبرز اسم عمار خلف الكواليس كأحد أبرز الشخصيات النافذة في المشهد الأمني والعسكري للمقاومة الوطنية، حيث يدير شبكة من الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة والسجون السرية، ويستخدم دوائر وموارد المقاومة الوطنية مثل المكتب السياسي والخلية الإنسانية كأدوات ضمن منظومته الأمنية. وفقا لمصادر خاصة في المخا تحدثت لـ "المجهر".

وبحسب المصادر، فأن عمار يُعد بمثابة "الحاكم الفعلي" للمناطق الساحلية، ويمتد نفوذه إلى مناطق جنوبية وأخرى قبلية في إطار المحافظات المحررة، عبر ارتباطات خاصة بدعم من دولة الإمارات التي توفر له تسهيلات كبيرة في إدارة الملفات الأمنية والاستخباراتية.

هذا النفوذ الذي يوصف بأنه موازٍ وربما يفوق سلطة طارق صالح نفسه، يلقي بظلاله على صراعات داخلية في إطار المكتب السياسي خاصة في الجوانب الإنسانية والإعلامية، والتي غالباً ما تُدار من قبل كوادر من محافظة تعز دون صلاحيات فعلية.

 

الجناح السياسي

 

يتولى طارق محمد عبدالله صالح قيادة الجناح السياسي للمقاومة الوطنية، وعقب التأسيس أعلن عن هيكل رئاسة المكتب السياسي، حيث قام بتعيين ناصر محمد علي باجيل نائب أول، وعبد الجبار عبده حسن زحزوح نائب ثاني، فيما قام بتعيين عبد الوهاب محمد قائد عامر أمينًا عامًا للمكتب السياسي إلى جانب كونه نائب برلماني محسوب على المؤتمر الشعبي العام.

وكان لعبدالوهاب عامر دورا بارزا في تدشين المشروع السياسي للمقاومة خلال المرحلة من تأسيسه، إلا أن حضوره بدأ بالتراجع تدريجياً مع بروز شخصيات أخرى مثل عبدالله حورية، الذي يُنظر إليه اليوم باعتباره "الرجل الثاني" في المقاومة الوطنية.

يُعزى هذا التحول بحسب مصدر أمني مطلع إلى تباينات سياسية ومناطقية داخل أروقة القيادة، حيث طغت الاعتبارات الشخصية والانتماءات على المعايير الوظيفي، وباتت معظم دوائر القرار داخل المقاومة الوطنية متأثرة بشبكات من النفوذ والمناطقية الأمر الذي قلص من مساحة تحرك عامر وأضعف من دوره التنظيمي.

ولا يزال المكتب السياسي يفتقر لأي حضور فعلي بسبب تعذر التفاهم السياسي مع القوى المحلية ما يعكس إشكاليات في التمدد والتنظيم لاسيما في المحافظات الجنوبية، على الرغم من امتلاكه فروع رسمية في محافظات تعز، شبوة، مأرب، وإب (يُتخذ من مدينة مأرب كمقر رئيسي لفرع إب).

كما أن دور مدراء فروع المكتب السياسي في تلك المحافظات ينحصر في التنسيق والتشاور مع القوى السياسية في إطار خدمات إنسانية وسياسية محدودة، ولا يمتلكون صلاحيات فعلية لصنع تأثير مجتمعي ملموس يرقى إلى الحضور الجماهيري وتعزيز الدور السياسي في تلك المحافظات.

 

تأثير ضعيف

 

تشير المعطيات إلى وجود تناقضات واضحة بين نشاط فروع المكتب السياسي وبين أجندات دوائر وأجهزة المقاومة الوطنية في المخا خصوصاً في الجوانب السياسية والمجتمعية، وهو ما أضعف من قدرته على فرض أي مسار مستقل أو تأثير فعال.

على سبيل المثال، لم ينجح رئيس فرع المكتب السياسي بتعز عبدالسلام الدهبلي في تحقيق الأهداف المرسومة له، سواء من حيث التأثير السياسي أو كسب الحاضنة الشعبية، في محافظة يفترض أن تحظى بأولوية لدى قيادة المقاومة الوطنية نظراً لأهميتها الجغرافية والسياسية.

ويُظهر هذا الجانب وفقا لمحللين سياسيين، فشلا كبيرا في القدرة على التنسيق بين القيادة في المخا وفرع المكتب في مدينة تعز، فرغم الجهود المبذولة من الخلية الإنسانية ودوائر أخرى لكسب الحاضنة الشعبية، إلا أن النتائج كانت محدودة وضعيفة التأثير.

وفي حين يفترض أن يلمس أبناء محافظة تعز اهتماما فعلياً من قبل المقاومة الوطنية كجانب من الاستقطاب، يتم استغلالهم في بعض المهام الإنسانية والإعلامية التي تُستخدم كواجهة فقط وفي إطار محدود، أما المناصب العليا والقرارات الإستراتيجية تظل محصورة في يد شخصيات من الدائرة الضيقة لعمار وطارق صالح، وهو ما تُؤكده الترشيحات الأخيرة لشخصيات في مناصب عُليا بالحكومة لم تشمل أي شخصية من تعز.

 

الجناح الإعلامي

 

تمتلك المقاومة الوطنية منظومة إعلامية جرى تشكيلها بصورة متسارعة لإدارة وتنسيق الخطاب الإعلامي والسياسي، وكان يقودها في البداية الصحفي محمد أنعم رئيس دائرة إعلام المكتب السياسي.

وتشمل هذه المنظومة؛ موقع "الساحل الغربي" كواجهة رسمية للقوات المشتركة والجوانب العسكرية المتعلقة بالمقاومة الوطنية، ووكالة "2 ديسمبر" كمنصة إخبارية باسم المكتب السياسي، وإذاعة "صوت المقاومة" إلى جانب قناة "الجمهورية" الفضائية التي انطلق بثها مؤخراً.

استفادت هذه المنظومة من خبرات الكادر الإعلامي للمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام الخاصة بحزب المؤتمر، إلا أن حالة من التنافس تنامت في الفترة الأخيرة بين جناح يقوده نبيل الصوفي المدعوم من طارق وآخر بقيادة محمد عايش مدير قناة الجمهورية والمحسوب على عمار صالح وفريقه، بحسب مصادر خاصة. وسط توجسات من احتمالية تأثيره على المسار التنظيمي للمقاومة الوطنية.

هذه التكتلات الإعلامية تطورت على حساب شخصيات بارزة لعبت أدواراً محورية منذ التأسيس، ومن هؤلاء محمد أنعم الذي فضّل أن يغيب عن المشهد وما يزال مسافر خارج اليمن منذ أكثر من عام وفقا للمصادر، وكذلك سمير رشاد اليوسفي الذي كان يدير المركز الإعلامي للمقاومة الوطنية، حيث تراجع دورهما بشكل كبير خلال العامين الأخيرين.

وتشير المصادر في حديثها لـ" المجهر" إلى أن هذا التراجع جاء في سياق تغييرات تكتيكية أجراها العميد طارق صالح داخل هيكل المقاومة، بعض هذه التغييرات حملت بُعداً سياسياً ومناطقياً، لا سيما في التعامل مع شخصيات تنتمي لمحافظات شمالية محددة.

 

خدمة المركز

 

يبرز الصحفي نبيل الصوفي كمستشار سياسي وإعلامي مؤثر لدى العميد طارق صالح، كونه يقود دور بارز في رسم ملامح العلاقة بين المكتب السياسي والمجتمع في تعز، من خلال السعي لإحداث مصالحة سياسية جزئية مع فتح مساحات إعلامية محدودة.

ولأن طارق يُولي أهمية كبيرة لمسألة الثقة لا سيما في بيئة تتسم بالتشظي السياسي والانقسامات المناطقية، فأن نبيل الصوفي يتمتع بخلفية سياسية وإعلامية قريبة من الدائرة التي نشأ فيها طارق، حيث سبق أن عملا معاً في إطار الدوائر الإعلامية والأمنية المقربة من نظام علي عبدالله صالح، وهذا بدوره يمنح الصوفي ميزة "الانتماء للمركز"، حتى وإن كان جغرافياً من محافظة تعز.

وبالرغم من ذلك، إلا أن تحركات الصوفي تظل محصورة ضمن إطار مرسوم لا يخرج عن حدود الرؤية الأمنية والسياسية الشاملة التي يتحكم بها طارق وعمار، وسط مضايقات يتعرض لها الصوفي وفريقه من قبل بعض الأجهزة المحسوبة على الجناح الأمني داخل المقاومة. بحسب تأكيدات من قبل مصادر خاصة.

وبالتالي فإن هذه الميزة منحته دور أشبه بـ"مهندس الرؤية" وفقا لأُطر معينة وليس شريكا في صناعة القرار، ما يعني أنه ليس ممثلاً لتعز داخل مشروع طارق، وإنما أداة لضبط الإيقاع الإعلامي والسياسي بما يخدم هذا المشروع دون الاخلال بتوازناته الأمنية والمناطقية.

 

صراع الولاءات

 

تنامت عقب تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية موجة من التوترات غير المعلنة شكلتها العلاقات المعقدة بين حزب المؤتمر الشعبي العام والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، حيث اعتبرت قيادات مؤتمرية أن نشوء كيان جديد من داخل أروقة الحزب يهدد وحد الحزب وتماسكه.

وقد عبرت قيادات في حزب المؤتمر عن استيائها من هذه الخطوات التي أقدم عليها طارق صالح، معتبرة أن استقطاب قواعده وقياداته للعمل في إطار المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، يُعدان محاولة لتفكيك الحزب وتعزيز الانقسام بداخلة، خاصة في ظل محاولات أحمد علي إعادة ترتيب صفوف الحزب في الخارج.

تحركات طارق صالح من خلال مكتبه السياسي خلقت جواً مشحوناً مع جناح أحمد علي عبدالله صالح داخل حزب المؤتمر، ومن ذلك استقطابه لبرلمانيين من حزب المؤتمر لتشكيل كتلة برلمانية خاصة بالمكتب هم في الأساس من كتلة المؤتمر، إلى جانب الحديث عن وجود تحالف بين طارق ورئيس مجلس النواب في الحكومة الشرعية سلطان البركاني.

وتُفهم هذه التحركات على أن طارق يرى نفسه الأوفر حظًا لقيادة الحزب، مستندًا إلى دوره العسكري والسياسي بالداخل اليمني، في حين يفتقر أحمد علي للحضور السياسي الفاعل محلياً، مما يضعف موقفه السياسي والتنظيمي داخل الحزب.

وفي هذا الإطار، سعت المقاومة الوطنية لتعزيز تحالفاتها السياسية مع مكونات الشرعية تحت يافطة مواجهة المشروع الطائفي لجماعة الحوثي، فيما يبدو مستقبل هذه التحالفات مجهولاً ويكتنفه الغموض في حال طرأت تغيرات على المشهد السياسي والعسكري في البلاد.

يأتي ذلك في حين لا تزال المقاومة الوطنية متحفظة فيما يتعلق بإعادة دمج قواتها ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، حيث تحتفظ باستقلالية إدارية وتنظيمية كحال بعض المكونات المندرجة في إطار الشرعية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما أظهر بدوره تحفظات من قبل مكونات وقوى محلية على أداءها، إلى جانب التمايزات في تقديم الدعم والخدمات الأساسية.

 

تآكل داخلي

 

يكشف مسار المكتب السياسي للمقاومة الوطنية عن أزمة عميقة في البنية والتنظيم والتأثير على حدٍّ سواء، حيث تقف التوجهات المناطقية والتباينات الشخصية القائمة على التحالفات والشللية، عائقاً أمام تحقيق تقدمات في المشروع السياسي والعسكري لطارق المدعوم إماراتياً.

ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون المكتب بوابة مدنية للحضور السياسي والاجتماعي للمقاومة، بات ساحة لصراع النفوذ وتصفية الحسابات، في ظل تهميش واضح لشخصيات ساهمت في تأسيس هذا الكيان لصالح مراكز وقوى خفية تقف في الظل.

ومن منطلق ذلك، يذهب كثير من المحللين السياسيين إلى التأكيد على أن المشهد المعقد الذي وصل إليه المكتب السياسي اليوم هو نتيجة لإشكاليات في التوازن بين الطموح السياسي والبنية الأمنية المغلقة.

وبينما يظل المشروع السياسي لطارق محاطاً بالهياكل التنظيمية والنفوذ الموازي، يغيب عنه التمكين الحقيقي ويطغى عليه الطابع الفردي والانقسامات المناطقية، ما يجعل مستقبله مرهوناً بإعادة ترتيب داخلي قد لا يكون قريباً، أما إذا استمرت هذه التوجهات فإن المكتب السياسي ماضٍ نحو مزيد من التآكل الداخلي بعيداً عن أي دور فاعل في الساحة الوطنية.