"نقاتل بلا دعم".. مأساة الجيش في تعز بين التضحيات والخذلان الرسمي (استطلاع صحفي)

"نقاتل بلا دعم".. مأساة الجيش في تعز بين التضحيات والخذلان الرسمي (استطلاع صحفي)

بين صمت الحكومة وتجاهل السلطة المحلية، يقف جنود محور تعز على الجبهات دفاعًا عن المدينة في مواجهة مليشيات الحوثي الإرهابية، دون رواتب منتظمة أو دعم رسمي يذكر.

وبينما يعاني الجنود من تهميش شبه كامل من السلطة المحلية والحكومة، في ظل جدل متواصل حول تحصيل بعض الضرائب التي أصبح يلتجأ إليها المحور لتغطية مصاريفه التشغيلية، يكشف ذلك حجم الفجوة بين تضحيات الجنود وإهمال المسؤولين، لتبرز معها مأساة المرابطين الذين يحرسون تعز بأرواحهم بينما تبقى مطالبهم الأساسية في سلة المهملات.

في هذا الاستطلاع نستعرض الواقع الميداني، لإيصال صوت للمقاتلين الذين يواجهون الموت والجوع بلا إسناد حكومي، من خلال شهادات وآراء لصحفيين وناشطين على صفحاتهم في "فيسبوك".

 

غياب الدعم الحكومي

 

تؤكد قيادة محور تعز العسكري أن القوات المرابطة في المحافظة تقاتل منذ سنوات في ظروف "مأساوية"، دون رواتب منتظمة أو تمويل رسمي، وذلك في رد على مذكرة وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري التي اتهمت المحور بـ"تجاوزات ضريبية".

وأوضحت القيادة أن الضرائب المفروضة على بعض الأنشطة لا تشكل سوى تعويض محدود لغياب الدعم الرسمي، لافتة إلى أن وحداتها تنتشر على مساحة تزيد عن 317 كيلومترًا، تضم عشرة ألوية وكتائب احتياطية، لكنها تفتقر للتسليح والصيانة والدعم اللوجستي.

وأشار البيان إلى أن أكثر من 17 ألف مقاتل يعيشون أوضاعًا صعبة، يتقاضون رواتب زهيدة لا تتجاوز 100 ريال سعودي للجندي، مقارنة بزملائهم في محاور أخرى الذين يحصلون على رواتب وإكراميات بالعملة الصعبة.

وأكد المحور استعداده لإيقاف أي استقطاع ضريبي، بما في ذلك ضرائب القات، شريطة أن تتحمل الحكومة مسؤولية تحصيل الإيرادات الأخرى المخصصة للجيش وتوجيهها لتغطية احتياجات الجبهات، محذرًا من أن "معركة الدفاع عن تعز ليست لعبة"، داعيًا الحكومة ووزارة الدفاع إلى تأمين الاحتياجات الأساسية قبل أي إجراءات عقابية أو بيانات رسمية لا تعكس الواقع.

 

عبث السلطة

 

الصحفي والكاتب اليمني فتحى أبو النصر، يكشف عن الفرق في التعامل بين جبهات تعز والمحاور الأخرى: موضحًا أن "زيارة وزير الدفاع للمحاور الحدودية كلفت ثلاثة مليارات ريال، وهو مبلغ يكفي لتسديد رواتب الجنود في تعز لشهور".

ويجدد فتحي التأكيد على أن ما يحصل الجندي في تعز هو مبلغ 53 ألف ريال كل ثلاثة أشهر لا يكفي لإعالته هو وأسرته، وسط ظروف قاسية يواجهها على خطوط التماس، دون خيام أو معدات أساسية، بينما وحدات أخرى تتمتع بكل وسائل الراحة.

ويصف الصحفي هشام المسوري، تعامل المحافظ نبيل شمسان مع الجيش بأنه "بارد" ومجرد إدارة بيروقراطية للموارد، مستفيدًا من الفساد المالي بينما الجنود يموتون جوعًا ويقاتلون بلا ذخائر كافية، وهو ما يجعل التمييز بين المحاور الأخرى وتعز فاضحا ومخزيا. حسب تعبيره

أما المحامي إيهاب الدهبلي، فيوضح أن نسبة ضرائب القات التي يتحصل عليها محور تعز، ساهمت في تحسين وضع الجنود، حيث أصبح معها راتب الجندي نصف شهري، مع مبلغ يومي يصل إلى 2000 ريال، لكنه يشير إلى أنها لا تغطي سوى جزء يسير من الاحتياجات.

ويؤكد رئيس الدائرة الإعلامية للتجمع اليمني للإصلاح بمحافظة تعز والكاتب السياسي أحمد عثمان، أن الجيش في تعز هو "عنوان شرف المدينة ودرعها الحامي"، مشدداً على أن أي حصار لمستحقاته يمثل خيانة واضحة للمرابطين.

 

المرابطون بلا رواتب

 

يبدأ الصحفي طه صالح، بالحديث عن أن ما ينهبه محافظ تعز ومكتب الغاز والنسب للفاسدين يفوق ضريبة القات ملايين المرات"، ويؤكد بأن وزارة الدفاع "لا تصرف راتبا ولا ميزانية للجبهات، ولا يهمها ما يأكل الجنود أو إذا ماتوا جوعا". 

وبحسب صالح، هناك فرق شاسع بين راتب الجندي في تعز الذي لا يتجاوز أحيانا مئة ريال سعودي، وبين وحدات أخرى يصل فيها الراتب إلى ألف ريال شهريا، مع صرفيات كاملة للمرافق والخدمات.

ويضيف الصحفي عبدالسلام القيسي، يضيف أن راتب الجندي "لا يساوي ثمن وايت ماء ألفين لتر"، وأن المال لا شيء أمام التضحية الفعلية على الجبهة. 

وبدور يوضح الصحفي محمد حميد القدسي، أن التغذية المخصصة تغطي فقط 3500 جندي من بين أكثر من 15 ألف مقاتل، وأن معاناة الجرحى وأسر الشهداء مستمرة بلا رعاية كافية، بينما التحصينات والذخائر شبه معدومة، وهو ما يهدد القدرة الدفاعية للجيش في مواجهة تهديد الحوثيين على بعد أمتار فقط من المدينة.

أما الصحفي رافت الوافي، فيشير إلى أن محور تعز بلا ميزانية فعلية، وأن الحكومة تجاهلت الصرفيات اليومية للمقاتلين، محذرا من أن أي نقاش حول ضريبة القات لا قيمة له ما لم يتم توفير التمويل الحكومي أولًا.

ويؤكد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن الجيش الذي يدافع عن مدنية تعز ويحمي الثغور منذ سنوات ببطون خاوية ودون ميزانية حكومية معتمدة، هو أولى أن يحصل على ما يسد رمقه من موارد المحافظة، مشيرًا إلى أن ذلك أفضل من أن تذهب للفاسدين، خصوصًا أن السلطة المحلية لم تقدم أي خدمات من هذه العائدات.

 

حقوق مهملة

 

الصحفي ياسين العقلاني، يوضح أن الأموال المخصصة لضريبة القات تُصرف عبر لجان ميدانية تتنقل بين جميع الجبهات، لضمان وصولها للجنود، لكن السلطة بقيادة المحافظ لم توفر حتى الأمصال المضادة للدغات الأفاعي والثعابين التي يتعرض لها الجنود بين الجبال والخنادق.

ويؤكد المصور أحمد باشا، أن تعز بالنسبة للحكومة تُعتبر "قطاعًا منفصلًا"، وأن صوت الجندي يُهمش، بينما يُطلب منه الصمود والتضحية، في حين يستفيد الآخرون من الدعم والموارد.

أما الصحفي اليمني ورئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم سيف الحاضري، فقدم اعتذارا للجيش عن صمت المجتمع تجاه ما تعرض له من حصار وظلم، مؤكدا أن الجيش في محور تعز يتعرض لعملية استهداف ممنهج من خلال تأخير صرف الرواتب ووقف المصروفات التشغيلية، بينما بعض الوزراء يتصرفون في مليارات الريالات تحت حجج واهية ويستحوذون على اعتمادات مالية ضخمة، متجاهلين تضحيات الجنود.

ويضيف الحاضري أن الوقت قد حان لتحويل صوت المظلومين إلى قوة جامعة، وأن حماية الجيش وصون حقوقه واجب وطني وأخلاقي، محذرا من أن أي تقصير في حقوق الجيش سيؤثر على كامل الوطن.

ويؤكد الصحفي عبدالله المعمري، صحفي، أن مذكرة وزارة الدفاع الموجهة لمحور تعز تمثل إدانة صريحة للسلطة العليا، حيث ظل الجنود صامدين سنوات بلا إمكانات ودون أي اعتبار لمعاناتهم واحتياجاتهم. 

فيما يوضح الصحفي والناشط السياسي زكريا الشرعبي، يوضح أن مساحة الجبهات تصل إلى 365 كيلومترًا، وأن آلاف الشهداء والجرحى هم الفاتورة الحقيقية التي دفعتها تعز، بينما الحكومة تتجاهل تقديم الدعم.

 

إنصاف المرابطين

 

تؤكد كل هذه الشهادات أن الجيش في تعز يقف مدافعاً عن الجمهورية في ظروف صعبة، وأن ضريبة القات التي لجأ إليها المحور العسكري خيار اضطراري للحفاظ على الجبهات.

كما يسلطون الضوء على التواطؤ في مكافحة الفساد، وحصار الإمكانات لا يقل خطرا عن العدو الخارجي، مشددين على أن رفع الحصارات وتأمين الموارد وضمان رواتب الجنود في تعز يمثل التزاما وطنيا وأخلاقيا.

ويبقى المرابطون في جبهات تعز رمزا للصمود والتضحية، وحقوقهم ليست منّة أو فضلاً من قيادة الشرعية، وإنما واجب السلطة تجاه حماة الجمهورية، ولابد من تغيير المعادلة لأن الصمود يجب أن يُكافأ بالإنصاف والعدل، لا بالخذلان والإهمال.