ثلاث قواعد لوجستية أميركية جديدة غرب السعودية (تفاصيل)

ثلاث قواعد لوجستية أميركية جديدة غرب السعودية (تفاصيل)

قبل الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، والهجوم الصاروخي الانتقامي من إيران، كانت هناك بوادر خافتة لظهور قاعدة أميركية جديدة على بُعد نحو عشرين ميلًا من الساحل السعودي على البحر الأحمر.

ظهرت هذه القاعدة للمرة الأولى في صور الأقمار الصناعية في أوائل عام 2022، وكان وجودها في بداياته يوحي بما توقعه المخططون العسكريون منذ زمن: نشوب صراع عسكري طويل الأمد مع إيران كان احتمالًا واردًا تمامًا.

وإذا حصل ذلك الصراع اليوم، فلن تعتمد القوات الأمريكية على الطائرات الحربية والسفن البحرية فقط، بل ستكون بحاجة إلى طريقة جديدة لنقل وتخزين الإمدادات في مكان أبعد عن إيران من معظم القواعد الأمريكية الحالية، وبالتالي سيكون أقل عرضة للهجوم.

لم تحظ القاعدة القريبة من البحر الأحمر، والتي تُعرف باسم منطقة الدعم اللوجستي جنكنز (L.S.A. Jenkins)، باهتمام علني كبير لكن الصور الأقمار الصناعية التي حللتها صحيفة نيويورك تايمز تُشير إلى أنها من المرجح أن تصبح مركزًا لوجستيًا رئيسيًا.

بدت القاعدة شبه خاملة حتى العام الماضي، لكن منذ ذلك الحين، بدأت تشهد توسعًا سريعًا، بحسب تحليل الصحيفة، وشملت التحسينات توسعة منشآت تخزين الذخيرة، وتوسيع سكن الجنود، وتعزيز أمن القاعدة.

قد تكون هذه القاعدة حاسمة إذا اندلعت مواجهة عسكرية أخرى بين الولايات المتحدة وإيران أو وكلائها، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القاعدة قد لعبت دورًا في الضربة الأمريكية الأخيرة ضد إيران يوم السبت.

ورفض مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية التعليق على قاعدة منطقة الدعم اللوجستي جنكنز (L.S.A. Jenkins) أو على دورها في المنطقة.

تمتلك الولايات المتحدة العديد من المنشآت العسكرية في الشرق الأوسط التي تحتاج إلى إمدادات، تتراوح بين مواقع صغيرة في سوريا والعراق إلى قواعد واسعة تضم طائرات وسفن حربية. 

وأبدى مسؤولون في وزارة الدفاع منذ عام 2021، اهتمامًا بتطوير مواقع على البحر الأحمر لدعم هذه القواعد.

ويقول براين كارتر، مدير ملف الشرق الأوسط في معهد أمريكان إنتربرايز: “الدافع الأولي كان محاولة دفع بعض البنية التحتية العسكرية الأمريكية خارج نطاق صواريخ وطائرات إيران المسيرة"، وأضاف أن القاعدة قد تدعم أيضًا حملات عسكرية أخرى، مثل مكافحة الحوثيين في اليمن.

وأوضح خبراء ومسؤولون عسكريون غربيون سابقون أن العديد من القواعد الأمريكية القائمة على الخليج العربي عرضة بشكل كبير للصواريخ الإيرانية قصيرة المدى. 

وأطلقت إيران الاثنين صواريخ على إحدى هذه القواعد، وهي قاعدة العديد الجوية في قطر، لكن تم اعتراضها وذلك بعد أيام من التهديدات ضد القوات الأمريكية في المنطقة. 

ويشير ديكر إيفيليث، محلل الأبحاث في مركز التحليلات البحرية، إلى أن ميزة القواعد الأبعد، على الجانب الآخر من السعودية، هي أن إيران ستضطر لاستخدام صواريخ باليستية متوسطة المدى لاستهدافها، وهي أقل دقة وموثوقية، وأضاف أن الزمن الأطول الذي تستغرقه هذه الصواريخ للوصول من إيران يمنح الدفاعات الجوية وقتًا أطول لاعتراضها، ويمنح الجنود وقتًا لاحتماء.

وقال إيفيليث: “استهداف موقع على الجانب الآخر من السعودية مهمة أصعب بكثير". 

ولكن موقع منطقة الدعم اللوجستي جنكنز (L.S.A. Jenkins) لا يُزيل تمامًا خطر الهجمات بالذخائر قصيرة المدى، فهي تقع أقرب إلى اليمن، حيث أطلق المتمردون الحوثيون – الذين تقول الحكومة الأمريكية إنهم يستفيدون من مكونات وأسلحة إيرانية وخبرة عسكرية من طهران – صواريخ وطائرات مسيرة سابقًا على سفن تابعة للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر.

لم تكن القاعدة أكثر من منطقتين مرصوفتين صغيرتين وملاجئ فارغة جزئيًا محاطة بساتر ترابي، عند بنائها لأول مرة في عام 2022، دون وجود أي مؤشرات على تمركز قوات فيها.

وبحلول يناير 2024، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها صحيفة نيويورك تايمز وجود معسكر صغير مكون من حاويات شحن وعدد قليل من الخيام البيضاء تم إنشاؤها في أحد أركان القاعدة، وتُظهر صور نُشرت لاحقًا من قِبل الجيش أثناء تمرين للتحضير اللوجستي في القاعدة شاحنات تدخل منشأة بسيطة بها طرق ترابية وأسوار من الأسلاك الشائكة.

ومنذ ذلك الحين، توسعت القاعدة بشكل كبير، فصور الأقمار الصناعية التي التُقطت الأسبوع الماضي تُظهر عشرات المنشآت والخيام والمركبات وطرقًا مرصوفة وموقعًا مُحسّنًا لتخزين الذخائر، بالإضافة إلى عمليات بناء في عدة مواقع ضمن المنشأة التي تمتد على مساحة تقارب الميل.

ويمكن رؤية صناديق بيضاء اللون في مخازن الذخيرة، تتطابق في الشكل والحجم مع حاويات صواريخ بحرية، مرصوصة في صفوف منظمة تضم ستة صناديق في كل صف.

وتُظهر وثائق تعاقد حكومية زيادة في الإنفاق على الإمدادات والمركبات والخيام الخاصة بالمنشأة والكوادر المتواجدة فيها، بإجمالي يتجاوز 3 ملايين دولار منذ أوائل عام 2024.

كما تُظهر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مشاركة وحدات من الجيش الأمريكي مختصة بالدعم اللوجستي، بما في ذلك قيادة الدعم الاستكشافية 364، في تشغيل القاعدة وتفعيلها.

وتُظهر صور الأقمار الصناعية ووثائق العقود الحكومية أنه تم بناء قاعدتين لوجستيتين أمريكيتين إضافيتين على الأقل في مطار الطائف ومطار جدة – وهما مدينتان في غرب السعودية – رغم أن هاتين القاعدتين أصغر بكثير وأقل نشاطًا من منطقة الدعم اللوجستي جنكنز (L.S.A. Jenkins)، وتتكونان أساسًا من مخابئ لتخزين الذخائر والوقود، ومناطق مرصوفة يمكن أن تضم أماكن للسكن أو مواقع للدفاع الجوي.

ويحتوي عرض تقديمي قدم خلال مؤتمر للهندسة العسكرية في وقت سابق من هذا العام على خطط مقترحة لتوسعة أكبر بكثير في قاعدة الدعم اللوجستي جنكنز بالإضافة إلى مشاريع بناء أخرى في قواعد مختلفة في الشرق الأوسط.

وتشمل التحسينات المخططة في القاعدة ومحيطها: توسعات في مطار قريب، ومزيدًا من مرافق تخزين الذخيرة، ومواقع لصيانة وغسيل المركبات وتجهيزها، ومرافق مخصصة لرفاهية الجنود والمعنويات.

ويقول الجنرال المتقاعد فرانك ماكينزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، عن دور هذه القواعد في حال نشوب حرب مع إيران: "هذا يجعل الأمور أسهل علينا، وأصعب عليهم… من جميع النواحي، إنه أمر إيجابي".