مناورة محسوبة أم خطأ استراتيجي.. لماذا وجّهت إيران ضربتها للقاعدة الأميركية في قطر؟ (تقرير خاص)

مناورة محسوبة أم خطأ استراتيجي.. لماذا وجّهت إيران ضربتها للقاعدة الأميركية في قطر؟ (تقرير خاص)

في مشهد غير مألوف، وجدت دولة قطر نفسها هدفًا مباشرا للتصعيد الحاصل بين طهران وواشنطن، حيث أعلنت وزارة الدفاع القطرية عن سقوط صاروخ إيراني داخل قاعدة "العديد" الجوية أكبر القواعد الأميركية في المنطقة، ضمن موجة من الهجمات الصاروخية أطلقتها إيران رداً على قصف أميركي استهدف منشآت نووية إيرانية.

ورغم أن طهران حاولت تبرير موقفها بأن هجماتها كانت موجهة نحو القوات الأميركية فقط، إلا أن الرد السياسي والدبلوماسي جاء بشكل حاد من قبل الدوحة، تجسد باستدعاء السفير الإيراني وإصدار بيان شديد اللهجة معتبرًا ذلك انتهاكا صارخا لسيادة قطر، وهو ما عكس حجم الغضب القطري من الاستهداف المباشر لأراضيها في صراع لم تكن ترغب الانخراط فيه.

كما أثار القصف الإيراني الذي استهدف قاعدة "العديد" الجوية الأميركية في قطر، إدانات وردود أفعال واسعة من قبل الدول العربية، إلى جانب تعليقات من الوسط السياسي والإعلامي العربي، ففي حين اعتبر البعض أن الضربة بمثابة خطوة رمزية لحفظ ماء وجه طهران، يرى آخرون في أنها مقامرة سياسية فاشلة قد تعمّق عزلة إيران الإقليمية.

 

تفاصيل الهجوم

 

جاء الرد الرسمي القطري على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية ماجد الأنصاري، الذي وصف الهجوم بأنه عدوان غير مبرر، وانتهاك سافر للسيادة القطرية، معبرا عن صدمته مما حدث في ظل الدور الذي تلعبه قطر كوسيط لتخفيف التوتر في الإقليم، كما جددت الدوحة دعوتها لجميع الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات، محذرة من انزلاق المنطقة إلى صراع شامل.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، ذكر نائب رئيس الأركان القطري شايق الهاجري والمتحدث باسم الخارجية ماجد الأنصاري، أن الدفاعات الجوية اعترضت معظم الصواريخ الإيرانية التي انطلقت في دفعتين (7 ثم 11 صاروخاً)، مشيرين إلى أن صاروخاً واحداً فقط تمكن من الوصول إلى قاعدة العديد دون أن يسفر عن إصابات.

وأشار الهاجري، إلى أن قطر كانت على دراية بأن القاعدة من بين الأهداف المحتملة للهجمات الإيرانية، وقد رفعت منسوب التأهب منذ بدء التصعيد بين إيران وإسرائيل لا سيما بعد مشاركة واشنطن في قصف منشآت نووية إيرانية.

وفي خطوة غير معتادة، لم تستبعد الخارجية القطرية الرد المباشر بما يتناسب مع حجم الاعتداء، وهو ما يمثل تحولاً ملحوظاً في لهجة الدبلوماسية القطرية التي تتجنب عادة التصعيد.

 

انتهاك للسيادة

 

عقب الهجوم الإيراني على قاعدة "العديد" الأمريكية في الدوحة، توالت بيانات الإدانة من العواصم العربية والخليجية، للتأكيد على دعم قطر ورفض المساس بسيادتها، حيث أعلن مجلس التعاون الخليجي موقفًا موحدًا إلى جانب قطر باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمن الخليج، داعيا المجتمع الدولي لردع إيران.

ومن جهتها، اعتبرت المملكة العربية السعودية الهجوم انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، مشددة على رفضها التام وغير القابل للتبرير، وأبدت في بيان صادر عن خارجيتها استعداد بلادها الكامل لمساندة قطر.

وأدانت الإمارات العربية المتحدة بشدة ما وصفته بـ"الخرق الفاضح للسيادة القطرية"، محذرة من تداعيات كارثية على الأمن الإقليمي، كما أجمعت كلاً من الكويت، البحرين، وسلطنة عمان، في بياناتها على رفض الهجوم باعتباره تصعيدًا خطيرًا يهدد استقرار المنطقة.

وأعربت كلٌ من مصر، الأردن، المغرب، واليمن في بيانات منفصلة، عن قلقها من انزلاق الموقف إلى صراع أوسع، واصفة الهجوم بأنه عدوان فوضوي يعكس الطبيعة العدوانية للنظام الإيراني.

 

هجوم متوقع

 

قام "المجهر" بجمع آراء وتعليقات لكتاب وسياسيين يمنيين وعرب من منصة "إكس" حول دقة الأهداف الإيرانية وحدود التزامها بقواعد الاشتباك، وذهاب طهران إلى تحويل بعض دول الجوار ساحة مواجهة بالوكالة.

وفي هذا السياق، تطرق الكاتب والصحفي السعودي عبدالرحمن الراشد إلى كون الهجمات الإيرانية كانت متوقعة منذ وقت مبكر، وهو ما انعكس في إيقاف حركة الملاحة الجوية إلى جانب إبلاغ أفراد السفارات الأميركية في قطر والكويت والعراق باتخاذ الحيطة. 

كما أشار الراشد إلى أن مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض كان قد أعلن مسبقاً عن اجتماع طارئ في هذا التوقيت، ما يعكس استشعاراً مسبقاً بالتصعيد.

ويرى أن وجود تنسيق مسبق بين الطرفين المتقاتلين – إيران والولايات المتحدة – لتقليل الخسائر ورسم قواعد اشتباك، كما حدث في المواجهات السابقة قد يكون بمثابة تمهيد لمفاوضات قادمة.

لكنه في المقابل، حذّر في المقابل من أن استمرار الهجمات الإيرانية وقيام واشنطن بالرد، يعني أن طهران اختارت توسيع جبهات القتال، مما يفتح الباب أمام تصعيد إقليمي أكبر.

ويتوقع الراشد، أن مهمة الولايات المتحدة ستنتهي، بينما ستستمر إسرائيل في مشروعها إلى أن تعلن إيران التفاهم معها، في إشارة إلى أن نهاية التصعيد قد تتوقف على قبول طهران بشروط سياسية أو تفاهمات أمنية.

 

هدف مقصود

 

تُثار التساؤلات حول اختيار طهران لقصف قاعدة أميركية تقع في بلد حليف لها مثل قطر، في حين أن خيارات أخرى بدت أكثر منطقية جغرافيًا وعسكريًا، مثل استهداف قواعد في العراق أو ضرب سفن أميركية في الخليج.

يتساءل الكاتب اليمني معن دماج، عما إذا كان هذا الاستهداف نابعًا من يقين طهران بعدم تعرضها لرد فعل قطري حاد نظرًا لطبيعة العلاقة الوثيقة بين الجانبين، وهو رأي دعمته أيضًا الدكتورة أفراح الزوبة، التي رأت في الضربة ردًا رمزيًا هدفه امتصاص الصدمة الداخلية لا أكثر، مستغربة عدم استهداف البوارج أو القواعد الأقرب.

وفي اتجاه موازٍ، وصف القاضي والناشط السياسي عبدالوهاب قطران الهجوم بأنه "مسرحية ردع" استُكملت فصولها بتنسيق غير معلن بين طهران وواشنطن، مشيرًا إلى أن قطر أغلقت مجالها الجوي قبل الضربة وأخلت القاعدة مسبقًا، في إشارة إلى علم الجميع بموعدها.

وأضاف قطران المعروف بانتقاده لجماعة الحوثي بعد انشقاقه عنها، أن إيران أرادت الخروج من مأزق الضربة الأميركية لمفاعلاتها النووية بمشهد إعلامية، لتحافظ على تماسكها الداخلي دون المجازفة بحرب شاملة.

هذا الرأي انسجم إلى حد كبير مع تحليل نيويورك تايمز التي كشفت أن إيران أبلغت قطر مسبقًا بموعد الضربة وأن واشنطن كانت على علم مسبق بها، مما يعزز فرضية أنها كانت ضربة محسوبة لتفادي التصعيد.

وبدوره، قارن وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان، الضربة بردّ إيران "المسرحي" عقب اغتيال قاسم سليماني، مشيرًا إلى أنها محاولة لرد اعتبار نفسي لإيران بعد تدمير منشآتها النووية. وتساءل بسخرية عما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد سمح بهذه الضربة ليقنع العالم بأنه دمر البرنامج النووي الإيراني فعلاً.

 

انزلاق استراتيجي

 

في قراءة أكثر عمقًا، اعتبر المفكر العربي ورئيس المركز القومي الإستراتيجي د. تاج السر عثمان أن ما جرى ليس تصعيدًا بل انزلاقًا استراتيجيًا، كشف عزلة إيران بدلا من أن يعزز موقعها.

وأشار إلى أن طهران خسرت التعاطف الذي كانت تحظى به من بعض الدول الخليجية والتي أجمعت على إدانة الهجوم، مؤكداً على أن تصرف طهران تجاه قطر من شأنه أن يمنحها زخم إعلامي لحظي لكن مقابل خسارة استراتيجية طويلة الأمد.

كما اعتبر الدبلوماسي والكاتب اليمني محمد جميح، القصف انتهاكًا صريحًا للسيادة القطرية، لافتاً إلى المفارقة في كون الطائرات التي استهدفت إيران لم تُطلق من "العديد"، ما يضع علامة استفهام كبيرة على دوافع اختيار هذا الهدف بالذات.

ووصف جميع الهجوم الإيراني تجاه دولة قطر بأنه تجسيداً عمليا لحالة النفاق في الخطاب الإيراني، مستذكرًا خطاب خامنئي المخاتل والذي يوجهه باستمرار للعرب.

في المقابل، حذر عبدالعزيز العقاب رئيس منظمة فكر للحوار والدفاع عن الحقوق والحريات، من اندفاع إيران نحو مواجهات في غير صالحها، مذكّراً طهران بأن قطر هي نافذة الحوار والدبلوماسية، والعلاقات معها لا تحتمل مثل هذا التصعيد.

أما الكاتب الكويتي ناصر الدويلة، فذهب أبعد من ذلك حيث قال إن طهران فتحت جبهة غير مبررة مع قطر، وفوتت على نفسها فرصة توجيه الضربة نحو إسرائيل في لحظة ضعفها، معتبرًا أن طهران اختارت خصمًا قوي الموارد بدلًا من العدو الحقيقي.

وفي موقف لافت، اعتبر الصحفي محمد المقالح المقرّب من جماعة الحوثي، أن أي ضربة إيرانية خارج إسرائيل نتائجها سلبية، داعيًا طهران إلى استهداف الكيان مباشرة لا "خدامه"، على حد تعبيره، معتبرًا أن الضربات خارج إسرائيل تصب في مصلحة الأعداء لا الحلفاء.

 

رسائل سياسية

 

رغم التأكيد الإيراني بأن الهجوم لم يكن موجهًا ضد قطر، إلا أن اختيار قاعدة "العديد" كهدف يحمل دلالات سياسية تتجاوز الرد على القصف الأميركي، فكما أنه استهداف لقاعدة مركزية في القيادة العسكرية الأميركية، هو أيضا استهداف لدولة تلعب دوراً دبلوماسياً متوازناً في المنطقة، وهو ما يضع إيران أمام معادلة معقدة من التحالفات والتهدئة.

يرى مراقبون أن الرسالة الإيرانية تجاوزت الرد العسكري على أمريكا، فهي اختبار لمدى استعداد الدول الخليجية لحماية منشآتها وقواعد الحلفاء الغربيين، وربما محاولة لفرض معادلة ردع جديدة بعد التطورات المتلاحقة في الملف النووي وصراعها مع إسرائيل.

كما أن الهجوم الإيراني يضع قطر أمام معادلة حساسة، في كيفية الحفاظ على دورها الدبلوماسي كوسيط محايد في النزاعات الإقليمية، ومن جهة أخرى ضرورة الدفاع عن سيادتها في وجه ما تعتبره عدوانًا مباشرًا.

وتبقى الخيارات المتاحة أمام الدوحة محدودة بين تعزيز دفاعاتها والتصعيد الدبلوماسي، مع استمرار رسائل الإدانات من حلفائها الخليجيين والدوليين ودعوتهم لعدم انزلاقها نحو صدام مباشر.

والحقيقة الواضحة أن إيران بهجومها على قطر أرادت اختبار حدود التفاهمات الإقليمية في محاولة لخلط أوراق التحالفات وإعادة النظر في المواقف الدولية، فهل تكون هذه العملية نقطة تحول في دور الدوحة كوسيط محايد، أم دافعًا لتعزيز منظومة الردع والدفاع الخليجي المشترك؟