المملكة العربية السعودية وصناعة التحول في المواقف الدولية: من التنديد إلى الحلول في قضية فلسطين

قادت المملكة العربية السعودية، إلى جانب فرنسا، تحركا دوليا ناجحا داخل أروقة الأمم المتحدة، أثمر عن تصويت الجمعية العامة على مشروع قرار يؤيد إعلان نيويورك بشأن تنفيذ حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطين.

على أن هذا الحدث لا يعد مجرد إنجاز سياسي، بل يشكل تحولا جوهريا في كيفية تناول المجتمع الدولي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويعكس نضوج الدور السعودي كقوة دولية راعية للسلام العادل والمستدام.

 

وما يميز هذا الإنجاز ليس فقط ما تحقق، بل الكيفية التي تحقق بها: جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وخطاب المملكة المتزن، الواضح، والقائم على المبادئ، أظهر أن السعودية لم تعد تكتفي بخطابات الإدانة، بل باتت تصوغ المواقف وتفرضها على جدول الأعمال الدولي. 

فالقضية الفلسطينية التي ظلت في عمق السياسة السعودية لعقود، تحولت اليوم إلى محور تحرك دبلوماسي مؤثر وفاعل، يوازن بين القيم والمصالح، ويُحيي المسار السياسي الذي طالما عرقلته الحسابات الضيقة والازدواجية في المعايير.

 

ثم ان الخطاب السعودي أمام الجمعية العامة لم يكن عاديا. فلقد وضع النقاط على الحروف، كاشفا التناقض في الموقف الإسرائيلي الذي يراوغ باسم التفاوض، بينما يُمعن في الاحتلال، الاستيطان، وتهويد القدس.

 ومن خلال استعراض سنوات من المبادرات والمفاوضات العقيمة، أكدت المملكة أن المشكلة ليست في غياب الطرح، بل في غياب الإرادة السياسية لدى إسرائيل، وتخاذل مجلس الأمن عن فرض قراراته.

 

ولم تكتفي المملكة بطرح المواقف، بل تبنت نهجا مسؤولا تجاه القضايا الإقليمية الأخرى، لا سيما المأساة السورية. 

ومن التحذير من الإرهاب العابر للحدود إلى دعم الحلول السياسية المستندة إلى مرجعية جنيف، بينت المملكة حرصها على وحدة الشعوب وسلامة الأوطان، في وقت تمعن فيه أطراف أخرى في إذكاء النزاعات الطائفية والتدخلات الأجنبية.

 

والشاهد أن ما حدث في نيويورك ليس انتصارا للدبلوماسية السعودية فحسب، بل بداية لمرحلة جديدة من العمل الدولي المؤثر، فيما تتحول الرؤية السعودية من مجرد دعم أخلاقي، إلى مبادرة سياسية فاعلة، تعيد التوازن وتكسر جمود المشهد الدولي حيال أكثر القضايا عدالة في العصر الحديث: قضية فلسطين.

 

ولقد أكدت المملكة، مجددا، أن القيادة ليست فقط في الصدارة، بل في القدرة على صياغة الحلول، وتحويل الغضب إلى قرارات، والمعاناة إلى حلم تحرري، والأحلام الوطنية إلى خطوات ملموسة على طريق التحرر والكرامة.!

 

على إنها السعودية أو حين تصوغ الأمم بيان العدل من لُغتها! .ففي زمن طغت فيه الحسابات على المبادئ، وقفت المملكة العربية السعودية كي تُعيد التوازن إلى ميزان العدالة الأممي. بمبادرة تحمل في جوهرها نَفَس الأنبياء وعقل الحكماء، إذ قادت الرياض، يدا بيد مع باريس، مشروع الاعتراف بدولة فلسطين، لا كرمز مكسور، بل كحقيقة تشرق في سماء نيويورك.

أي لم تعد فلسطين قصيدة يتيمة في المحافل، بل مشروع تحرر تصوغه السعودية بدموع الوعي وسيوف الدبلوماسية. ومن خطاب الإدانة إلى فعل الاعتراف، ومن ضجيج العدوان إلى لغة الحق، صنعت المملكة نغمة سلام جديدة، تتلوها الأمم بشغف طال انتظاره.

و

هكذا تتكلم السياسة عدلا حين تتوضأ بالقيم.!