الانكسار حقيقة من حقائق الحياة ، ومكوِّن من مكونات منظومتها بشقيها المادي والروحي . 

والانكسار يتجاوز الجسد ، إلى تصدع المفهوم على نحو لا تخلو منه حياة فرد أو جماعة .

وهو ذلك الصمت ، المثقل بالخيبة حيال أمر ما ، والذي يخيم على الروح بعد صخب الأحلام ، وتجد مذاقه في صوتك وانت تهمس لنفسك كنت أظنني أقوى . وهو درس قاسٍ، ولكنه يعيد ترتيبك . يكسر الزيف ويكشف الصدق ، ويصقلك . 

الأجدر بالحياة هم الذين ينهضون من انكساراتهم ، يرممون شروخهم بصبر ، ويعودون للحياة بروح أعمق ، وأقوى ، وأصدق .

تعلمنا الحياة أن الانكسار هو لحظة من لحظات الوعي بالحاجة لسبر غور "الأنا" حينما يتهاوى ما بناه الانسان من أوهام القوة ،والتفوق ،والتميز ،والنفوذ، والطغيان، وحتى البلطجة . 

وهو لا يحدث في كل الأحوال بفعل العنف ، بل أحياناً كثيرة بفعل اللين والخذلان . ينكسر الانسان حين يتعثر في تحقيق الحلم بقوة معاكسة ،أو بقرار خاطئ .. أو نصيحة لئيمة ، أو حين يضيق به قلب اعتاد أن يتسع له كلما ضاق العالم ، أو حين يخذله من كان له وطن ، أو حين يعطي كثيرًا ثم يكتشف أن العطاء وحده لا يكفي .

وتعلمنا الحياة بأننا لا ننضج بالانتصارات ، بل بما خسرناه ، بما انكسر فينا ولم يمت . والانكسار هو التجلي الصامت للمعرفة ، وما يكسر في الانسان لا يلصق بل يعاد تشكيله ، وهو الخَلْقُ الثاني ، ولكن هذه المرة ليس من رحم الأم وإنما من رحم التجربة . إنه ذلك النهوض الذي يتجاوز اللحظة وانفعالاتها ليشكل مسارًا لإرادة متجددة .