وأخيرا اشتعلت الحرب التي طال انتظارها بين اسرائيل وإيران.
اسرائيل، كانت دائما تسعى لمحاربة إيران بدلا من محاربة وكلائها في المنطقة.
ونحن نراها أنها حربا قد بدأت بالشخصنة بين نتانياهو وخامنئي.
سوف نبدأ بالذي بدأ الحرب: نتانياهو.
ونركز على هدف نتانياهو: قتل خامنئي ونظام الملالي.
ثم يجب فهم خامنئي.
ويجب فهم انقسامات إيران التي يلعب عليها نتانياهو.
ويجب فهم كيف يفهم نتانياهو إيران والعرب وترامب وأمريكا وأوروبا.
سوف نؤجل فهم ترامب وأمريكا وأوروبا: حلفاء نتانياهو الذين لن يتخلوا عن اسرائيل مهما اخطأت.
فهم عقل النفط
*
نعم، النفط معه عقل وهو من أهم اللاعبين والمقررين لمصير المنطقة.
وسوف نمر سريعا لفهم أمراء وملوك النفط العرب: الذين يراضون نتانياهو وخامنئي وترامب.
يريدون من ترامب منع الحرب خوفا على آبار النفط.
يريدون من خامنئي عدم ضرب آبار النفط إذا أشرف نظامه على الغرق.
يريدون من نتانياهو أشياء لا يريدها هو.
يريدون مصادقة اسرائيل بشروطهم ولكن نتانياهو متأكد من أنهم هم الذين سوف يقبلون بشروط اسرائيل كما فعلوا من قبل وكما سبق وأن فعل غيرهم.
نتانياهو، يعرف أنهم يلفون ويدورون ثم يعودون إليه.
نتانياهو، على يقين بأنهم سوف يأتون إليه لاحقا مهما عملت اسرائيل بالفلسطينيين، ومهما عرضهم لأخطار الحرب هم وبلادهم ونفطهم.
فهم شعوب العرب
*
لا يوجد على الإطلاق من يرفع راية تطلعات الشعوب العربية.
ولن نغرق في مشاعر الحزن والأسى على أنفسنا ولا على شعوب العرب.
هم، ضائعون منقسمون بين كراهيتهم الشديدة لكل من خامنئي ونتانياهو.
هذه ليست فترة جيدة في حياة العربي البائس الضائع بين أعماله، وحكامه، وأعدائه، والأكثر بؤسا منهم الذين يتصنعون النضال لتحقيق أحلامه، ويقودون شعوبهم من هاوية إلى هاوية.
وبعدها سوف نترك أنفسنا لأنفسنا ونترككم لأنفسكم مع الضياع العربي والفلسطيني، حتى يأتي يومنا الحقيقي.
نتانياهو، ابتدأ الحرب على خامنئي
… ويجب أولا فهم الإثنين.
**
أولا: نتانياهو يفهم إيران
**
هناك القول بأن نتانياهو، يحتاج شن الحرب على إيران لأسباب شخصية وللبقاء في منصبه.
لكن السبب الأكبر، هو أن نتانياهو يرى أن إيران ضعيفة للغاية وأن هذه فرصة يجب ألا تضيع.
إذا كان جواسيس اسرائيل قد اخترقوا علماء وجنرالات وكومبيوترات إيران كما شاهدنا طوال عشرات السنين الماضية،
وإذا كانت طائرات اسرائيل وصواريخها تحلق وتقصف وتسرح وتجيئ بدون التعرض لطلقة دفاع جوي،
وإذا كانت كل أطياف معارضة نظام الملالي الإيراني- الملكية الشاهشانية والليبرالية- على علاقة بالموساد،
وإذا كانت هناك النخب الإيرانية الأكاديمية والإنتليجنتسيا في جامعات ومراكز دراسات أمريكا وأوروبا التي نتعرض دائما لتحليلاتهم المتماهية مع اسرائيل؛
… فإن نتانياهو يفهم إيران.
١- نتانياهو يفهم خامنئي
*
خامنئي، هو صاحب الكلمة العليا في إيران.
خامنئي، هو سيد الباسيج وسيد الحرس الثوري وسيد فيلق القدس وسيد كل عشرات الألوف من الملالي المعممين.
خامنئي، يقبض على إيران بالوطنية والدين والمذهب واليد الحديدية.
خامنئي، لا يمكن أن يرضخ لإسرائيل ولا يمكن أن يضحي بنظام الملالي.
نتانياهو، يريد فصل خامنئي عن الوطنية الإيرانية.
نتانياهو، يريد قتل خامنئي وجنرالاته ونظام الملالي.
نتانياهو، يقامر بأنه يستطيع تحقيق اسقاط نظام الملالي في إيران وأن هذه سوف تكون آخر حروب اسرائيل لتكون القوة الأعظم في كل الشرق الأوسط.
**
ثانيا: نتانياهو يفهم الوطنية الإيرانية
**
كما أوضحنا فإن خامنئي ونظام الملالي هم القوة الضاربة النافذة في إيران.
لكن نتانياهو يفهم أيضا أن هناك ١٠٠ مليون إيراني يعانون من الفقر والحصار والإضطهاد.
وهناك الوطنية الإيرانية التي هي الغالبية العظمى من شعب إيران.
الوطنيون الإيرانيون، يرون الفساد المالي للطغمة الحاكمة في إيران وهذا يجعلهم يكرهون كل ركائز النظام والدين ابتداء من أصغر رجال الملالي المعممين وصعودا إلى المرشد الأعلى خامنئي.
ويفهم نتانياهو أن هناك "الوطنية الإيرانية" الفخورة بالإمبراطورية الفارسية والتي لا تقبل بالإهانة والأذى لإيران أو خامنئي من اسرائيل أو أمريكا أو بريطانيا أو صدام حسين أو العرب.
ويفهم نتانياهو أنه حتى لو كان "الوطنيون" يكرهون خامنئي والملالي لأنهم سبب التزمت والإضطهاد الديني والجوع والفقر والعقوبات وعداء العالم لبلادهم، فإنهم لن يقبلوا بأن ينتهوا على يد اسرائيل.
ويفهم نتانياهو أن الوطنيين الايرانيين، لا يكترثون بقضية فلسطين ولا بضرورة مصارعة اسرائيل ويريدون أن تزدهر علوم ومعارف وفنون إيران بالإندماج مع الحضارة الغربية الأوروبية الأمريكية والتطلع للصين وخلق علاقات متوازنة مع روسيا.
تعامل نتانياهو مع الوطنية الإيرانية
*
يكثر نتانياهو من مخاطبة الشعب الإيراني بغرض حرمان خامنئي من استنفار الوطنية الإيرانية.
نتانياهو، لا يريد استفزاز الوطنية الإيرانية لكي لا يتمكن خامنئي من استنفارها في معركته المصيرية الوجودية ضد اسرائيل.
نتانياهو، يفهم الوطنية الإيرانية جيدا ويتجنب قتل الكثير من الإيرانيين، ويتحاشى ضرب البنية الهيكلية، ويتفادى ضرب المنشآت الاقتصادية والنفطية.
نتانياهو، يركز على قتل الجنرالات المخلصين لخامنئي وعلى معسكرات الباسيج وعلى مصادر قوة الحرس الثوري وهؤلاء كلهم مكروهون من قوى "الوطنية الإيرانية".
نتانياهو، يعرف أن قتل العلماء النوويين الإيرانيين لن تعجب الوطنيين الإيرانيين ولكن هذا أمر مهم بالنسبة له، وهو يحاول أن يجاملهم بقدر ما يستطيع ولكنه يعتقد بأن على الوطنية الإيرانية أن تتغاضى عن هذا وأن عليهم أن يتعايشوا مع قتل علمائهم النوويين.
اللافت للنظر، هو أن خامنئي قد ابتدأ بقصف أحياء سكنية في مدن اسرائيل لكي يقوم نتانياهو بالرد بنفس الطريقة داخل مدن إيران لتلهب المشاعر الوطنية الإيرانية وليتم استنفارها لصالح نظام الملالي.
**
ثالثا: نتانياهو والمعارضة الإيرانية
**
هناك ملكيون وليبراليون ومجاهدوا خلق وانفصاليون، وهم كلهم يكرهون بعضهم البعض، ولكنهم يتوحدون بسبب كراهيتهم الأكبر والأعظم لخامنئي ونظام الملالي.
وهم يعيشون وسط الوطنية الإيرانية، ويتماهون معها ولا يرون أن الوطنية الإيرانية والفخر بالإمبراطورية الفارسية تتناقض مع ماهم عليه من أفكار وتوجهات.
ولا توجد عندهم مشكلة بأن يتم القضاء على خامنئي ونظام الملالي على يد اسرائيل.
إبن الشاه الراحل، يزور اسرائيل ويؤيدها مثلما كان يفعل والده الشاهنشاه محمد رضا بهلوي الذي تخلص منه خامنئي ونظام الملالي.
نتانياهو، يفهم هؤلاء كلهم وهم أيضا يساعدونه على فهم إيران أكثر وربما حتى يعاونون مخابرات اسرائيل على اختراق نظام الملالي.
**
رابعا: فهم اليمن
**
يمكن أن يكون فهم اليمن بعد كل هذا، أسهل قليلا.
ويمكن استنتاج فهم اليمن من عملية فهم الوضع الداخلي الإيراني التي بها بعض أوجه الشبه مع اليمن في البؤس والفقر والجوع وصراعات أطياف الوطنية والمذهبية والدينية والمناطقية والانفصالية.
السعودية والإمارات:
وعلينا في اليمن، إضافة العامل الذي يزداد بروزا كل يوم وهو ميوعة وتذبذب مواقف السعودية والإمارات بسبب أهداف لا نعرفها.
وهناك تبارد بسبب أهداف أخرى مؤكدة وهي عدم الرغبة بمصارعة الحوثيين أو التناقض مع الإيرانيين داخل اليمن.
الحوثي واسرائيل:
والغريب أن فهم دور اسرائيل في تقرير مصير اليمن، يتزايد.
الحوثيون- كشحوا أنفسهم بأنفسهم في وضع غريب مع اسرائيل تسبب بالضرر عليهم وعلى البنية الهيكلية لليمن وبدون إلحاق الضرر بإسرائيل.
وأدخل الحوثي اليمنيين في زوابع المفاضلة بين خامنئي ونتانياهو.
كل العرب قد دخلوا في زوابع المفاضلة هذه، ولكن في اليمن المطلوب منهم إتخاذ مواقف "عملية" للمفاضلة بين بغضهم البالغ للحوثي.. وبغضهم الشديد لخامنئي.. وبغضهم الأشد والأكبر لنتانياهو.
وأدخل اليمنيين في نفس تلك الزوابع النفسية والوطنية والقومية والدينية التي تعصف بالوطنية الإيرانية والمعارضات الإيرانية تجاه خامنئي ونظام الملالي والصراع بين الامبراطورية الفارسية والإمبراطورية اليهودية العبرانية.
الحوثية وتصنيفها حركة إرهابية
*
ترامب، أعاد تصنيف الحوثية حركة إرهابية أجنبية Foreign Terrorist Group - FTO وهذا يعني منع تزويدهم عبر ميناء الحديدة بالنفط المكرر ومنع المساعدات العسكرية والمالية من إيران والتضييق على معاملاتهم البنكية ومنع استفادتهم من المعونات الدولية.
ربما يصيبهم تصنيف الحوثية كحركة إرهابية بالأذى أكثر مما قد يصابون به من معاركهم مع الشرعية اليمنية أو من "حلفائهم" و "أشقائهم" "الداعمين" للشرعية.
خاتمة
*
هذه حرب يشنها نتانياهو على خامنئي.
نتانياهو، يطمح لأن يغير هو مصير إيران بدلا من أن تغير إيران مصير اسرائيل.
العرب، يخافون من شيعة إيران ومن امبراطورية فارس كما يخافون بنفس الدرجة من أحلام نتانياهو بإبادة الفلسطينيين ومن أن يجعل من اسرائيل القوة الأعظم في المنطقة.
اليمن، قد يتقرر مصيرها على ضوء نتائج هذه الحرب وعلى تصنيف ترامب.
سوف يتقرر مصير الشرق الأوسط- لعقود طويلة قادمة- على ضوء حرب نتانياهو مع خامنئي.
تابع المجهر نت على X