يقولون أنّ الملمات تُظهِر معادن الرجال، وهذا حالنا في اليمن من حين ظهرت الجائحة الحوثية وكادت في لحظة ضعف أن تبتلع اليمن، وتعلن دولتها الإمامية، لكن متغيراً هاماً تدخل ووقف في وجه هذه الجماعة بإعلان قيام تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي حشدت العالم لإدانة الانقلاب، وباشرت قيادة التدخل العسكري لاسقاطه، وهاهو التاريخ يعيد نفسه اليوم بعد محاولة المجلس الانتقالي فرض أمر واقع لا يتوافق مع المرجعيات التي وفقها يسير المشهد السياسي، وهو ما تم اعتباره انقلاباً آخر يشبه إن لم يكن يطابق انقلاب الحوثي في 2014م.
ذهب المجلس الانتقالي باتجاه زعزعة الوضع القائم، والذي يقوم على التوافق، وعلى أساسه أصبح هو شريكاً في العملية السياسية، لكنه وبما يسكنه من وهم السيطرة المطلقة اختار أن يتحول انقلابياً آخر ينطلق من داخل المؤسسة الشرعية ليطعنها من الخلف، وحشد قواته شرقاً معتقداً بغباءه أن فرض أمر واقع خارج أي تفاهمات ومرجعيات سينجح في إعادة رسم الخارطة السياسية كما يتمنى، لكن شئ واحداً كان قادراً على تغيير هذه المعادلة المصطنعة تمثل بنزع الغطاء السياسي عن هذه التحركات وإدانتها من رئيس المجلس الرئاسي والذي يمثل أعلى هرم المؤسسة الشرعية.
في هذه اللحظة الفارقة تدخلت المملكة العربية السعودية، والتقطت اللحظة تماماً كما فعلت سابقاً مع انقلابيي صنعاء، واحتشد العالم بأسره ليدين تصرفات الانقلابيين الجدد، ولأول مرة تنتقل الرياض من مربع الوساطات بين مكونات الشرعية إلى مربع التدخل المباشر سياسياً وعسكرياً، وهو ما يعني أن صبرها نفذ من تصرفات المجلس الانتقالي والتي يسير فيها عكس التفاهمات والمرجعيات التي أوصلت "الزبيدي" ليكون عضواً في أعلى مؤسسة شرعية في البلد تحت علم وشعار الجمهورية اليمنية التي لا يعترف العالم بسواها.
من أسوأ صور التناقض والاستغباء الشعبوي التي مارسها رئيس المجلس الانتقالي خلال السنوات الماضية وكانت مصدر تذمر وقلق المملكة العربية السعودية راعية عملية التوافق القائمة أن "الزبيدي" ظل يتنقل بين دول العالم بصفته عضواً في المجلس الرئاسي للجمهورية اليمنية، وبجواز يحمل شعارها، وتعاملت معه الدول المستقبلة على هذا الأساس، لكنّه ظل يوهم البسطاء أنه يحشد الدعم الدولي لمشروع التشظي الذي يدغدغ به عواطف الناس، وخُيل للمغرر بهم أن اللحظة التي وعدهم بها قد حانت، وما إن ذهب لينشر الفوضى في المحافظات الشرقية إلا واتحد العالم وقواه المؤثرة على إدانه فعله ورفض تحركاته.
أوقع الانتقالي نفسه في "ورطة" مركبة وجهها الأول استعداء المملكة العربية السعودية التي ظلت لسنوات تمارس معه سياسة الصبر وطول النَفَس، لكنه أساء الفهم والتقدير، ولم يقرأ المشهد الحالي في المنطقة جيداً، والوجه الآخر لورطته ظهور الحقائق ليدرك أتباعه كيف مارس "الكذب والاستغباء" بحقهم وهم يطالعون أجماع العالم أن مشروع العودة إلى ماقبل الوحدة ليس وارداً، ولن يعترف به أحد باستثناء "تل ابيب" العدو التاريخي للعرب أجمع.
دمتم سالمين.
تابع المجهر نت على X