مكر التاريخ.. هل سيحدث في اليمن

ساعات طويلة قد قضيتها— ومازلت غاطسا فيها— عن احتمالات "مصير اليمن" على ضوء أفكار الفيلسوف الألماني هيجل الذي ابتكر مفهوم "مكر التاريخ".

 

**

أولا: كتابة التاريخ وتحديد المنتصرين

**

 

هناك مقولتان شائعتان متناقضتان:

١- "التاريخ يكتبه المنتصرون".

٢- "الانتصار، هو مسألة إدراك تحدد من المنتصر من وجهة نظر الرأي العام".

 

… وهناك رأي ثالث.

رأي الفيلسوف الألماني هيجل Georg Wilhelm Friedrich Hegel الذي يختلف تماما مع الرأيين السابقين. 

 

يقول هيجل أن التاريخ يكتبه شيء ثالث:

‏ Universal Historical Reason

"عقل التاريخ الكوني" الذي هو غاية في المكر والدهاء.

 

**

ثانيا: مثال على مكر التاريخ

**

 

المغول التتار، دمروا وأحرقوا عاصمة الخلافة الإسلامية— بغداد.

ثم اعتنقوا الإسلام.

وكانوا هم من أنشأ الحضارة الإسلامية المغولية في الهند.

أكبر تجمع سكاني إسلامي في العالم في مكان واحد، هو ذلك الموجود في الهند.

 

هل يمكن أن يكون هذا مثلا على فكرة "مكر التاريخ"، عند الفيلسوف الألماني هيجل؟

 

١- الحدث الأولي – الدمار

*

المغول التتار دمروا بغداد، عاصمة الخلافة العباسية، وقتلوا أهلها وهدموا مؤسساتها.

هذا كان حدثا كارثيا، يبدو أنه نهاية نهائية للتاريخ السياسي والثقافي في المنطقة.

من منظور هيجلي، هذه كارثة تمثل مرحلة عنف وصراع داخلي أو خارجي يبدو أنه يقضي على روح حضارة.

 

٢- المرحلة الثانية – التغيير والتحول

*

رغم الدمار، استوعب المغول الإسلام، وبدأوا في نشره وتطبيقه بطريقة مختلفة، خاصة في الهند.

هذا خلق حضارة جديدة، مزدهرة، وفي مكان مختلف تماما، تحمل عناصر من الحضارة السابقة ولكن ضمن سياق جديد.

 

٣- مكر التاريخ في هذا المثال

*

هيجل يرى أن التاريخ “يعمل” عبر صراعات وأحداث تبدو كارثية، لكنها تؤدي لاحقا إلى نتائج غير متوقعة تُحقق روح أو هدف الحضارة بطريقة غير مباشرة.

 

الدمار الذي أحدثه المغول لم يقض على الإسلام، بل أعاده بطريقة أقوى وأكثر انتشارا ، بعيدًا عن مركزه التقليدي في بغداد.

 

أي أن التاريخ “انتقم” بطريقة غير متوقعة لصالح فكرة أو روح كانت مهددة، دون تدخل مباشر من أي فاعل كان يخطط لذلك.

 

٤- الدروس العملية

*

أحداث يبدو أنها كارثية قد تحمل بذور تجدد أكبر.

التاريخ غالبا يسير حسب مكر داخلي، حيث تُحوَّل المآسي إلى فرص لم تستطع القوى الحالية التحكم فيها.

 

هذه الديناميكية تجعل من المستحيل دائما التنبؤ بكل نتائج الأحداث، مهما بدت محكمة التخطيط أو مدمرة.

 

باختصار: نستطيع بغداد والمغول مثال حي على مكر التاريخ، على ضوء "عقل التاريخ الكوني" عند هيجل: 

الدمار والخراب خلقا ظرفا جديدا لنمو حضارة إسلامية متجددة في الهند، بطريقة لم تكن أي جهة تتحكم فيها مسبقًا.

 

**

رابعا: مصير اليمن مع أدوار ٣ دول إقليمية

**

 

ساعات طويلة قد قضيتها حتى الآن مع "مكر التاريخ".

أنا قد عشت طوال عمري منغمسا ومتتبعا لأحداث اليمن.

وعشت أحداث الخمسة عشر سنة الأخيرة بالطول والعرض.

وأقرأ بكل اتجاه ومن كل مصدر عن الصراعات ومآلاتها في شبه تفرغ كامل.

 

والآن أنا أستعمل انشغالي بمكر التاريخ لتخيل عواقب ما تفعله السعودية والإمارات وإيران في اليمن.

عواقبه على دول ضفتي الخليج وعلى اليمن.

وعلى عواقب ما يفعله اليمنيون في اليمن.

وعلى عواقب ما يفعله أو لا يفعله "اليمني التائه" في بلاده اليمن.

 

والمواضيع طويلة، وأنتم لا يعجبكم القراءة الطويلة.

ولكن العمل مستمر.

وسوف نرى كيف سيكتمل إنجاز العمل.

 

عبدالقادر الجنيد 

١٠ نوفمبر ٢٠٢٥