عند الحديث عن ماهية العودة وفلسفتها وتوقيتها، قد تختلف الآراء والتفسيرات خصوصًا وأننا نعيش مرحلة بالغة التعقيد، تستدعي الحرص في تقدير المواقف، وبالذات فيما يخص العودة إلى الصف الجمهوري والتخلي عن المليشيا الحوثية التي أوغلت في قتل وقهر وإذلال وتجويع اليمنيين على مدى عشر سنوات.
مع إعلان صلاح الصلاحي قائد ما يسمى بـ"اللواء العاشر صمّاد" التابع للحوثيين انشقاقه عن المليشيا، وظهوره في مأرب مؤكدًا انضمامه للجيش الوطني، أثيرت حالة واسعة من الجدل حول هذا القرار، وتباينت الردود بين مؤيد ومعارض، وأكثر التساؤلات لفتًا للانتباه: لماذا صحى الرجل متأخرا وقرر العودة بعد عقد من الزمن؟ هل سيتم منحه منصبًا شرعيًا بعد عودته؟
وهنا يمكن الإجابة عن هذه التساؤلات عبر تفسيرات سريعة، فحينما نتحدث عن توقيت العودة الفرق قد يكون له ارتباط بالمواقف لكنه ليس جوهريًا، إذ أن جوهر المعركة الوطنية هو استعادة الدولة وإنهاء الإنقلاب ، ويندرج ضمن ذلك تشجيع الناس على التخلي عن المليشيا ودفعهم للانشقاق عنها ورفض مشاريعها الطائفية.
في المقابل ليس كل من أعان الحوثيين في حربهم على اليمنيين يمكنه العودة ويستحق أن نشرع له أبواب الترحاب والقبول، هناك من يمثلون عمق المشروع السلالي وهؤلاء مصيرهم الوحيد هو دفع ثمن دماء الأبرياء التي تلطخت بها أيديهم، في حين يبقى هناك أناس انساقوا خلف مشروع المليشيا وربما تعايشوا معه بشكل أو بآخر لكن يمكن التعويل عن صحو ضميرهم الوطني يومًا ما.
ولو نظرنا قريبًا منا لوجدنا شركاء في الصف الجمهوري ممن قاتلوا مع المليشيا كتفًا لكتف وأعانوها لسنوات ثم تخلوا عنها، وأبدوا حُسن نية في محاربتها – لا تُحاكم النوايا إن كانت صادقة أم لا – لكن هؤلاء وغيرهم ممن أتى وسيأتي لاحقا لا يمكن إسقاط أخطائهم السابقة إلا عبر عدالة انتقالية تعيد الحقوق لأصحابها وتقتص من مواقف غير محسوبة.
أما بشأن المكافآت والمناصب للعائدين، هذا الأمر يخضع لتقديرات القيادات السياسية والعسكرية، وحدها المخوّلة بهذا الأمر، وتتحمل نتائج القرارات سواء أمام مسؤولياتها الوطنية أو أمام الحاضنة الشعبية، وللعلم ليس هناك الكثير من المغريات المادية تنتظر هؤلاء، من أراد أن يكفّر عن مواقفه السابقة مع السلالة فليعد جنديًا في معركة التحرر الوطني، لا أن يتطلع لمنصب أو مكاسب لم ينلها السابقون في مقارعة الانقلاب.
ختامًا، الجدل الذي رافق عودة الصلاحي إلى الصف الوطني ربما لم يكن في مجمله نابعًا من تفسير دقيق للمعركة الوطنية، بل ربما بُنيت بعض الردود على مواقف وحسابات أخرى، وعلى الرغم من ذلك هذا أمرٌ جيد، وينم عن صحو جمهوري، ويؤكد عدم التسامح مع مرتبكي الجرائم، ومعاوني المليشيا في إجرامها المتواصل بحق اليمنيين.
تابع المجهر نت على X