‏السؤال الذي أصبح مدخلا لتأييد الحوثيين

لماذا يخاطر الحوثيون ويصرون على مهاجمة إسرائيل، بينما يمكنهم ببساطة تجاهلها، فيتفادون الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي وربما يُشرعن حكمهم على ما تحت أيديهم؟

هذا سؤال مهم.. ويحتاج لإجابة. لأن البعض يستخدمه مدخلا للتعاطف مع الحوثيين وصولا إلى تأييدهم. وفي الحقيقة سمعت مثل هذا الطرح من أكثر من مثقف وفي أكثر من مناسبة، ولا بد من إجابة.

 

هذه الجماعة تدرك أن الاستمرار في إرسال المفرقعات إلى إسرائيل يعرضها لخسائر عسكرية، لكنها في ذات الوقت تعرف أن التوقف سيحرمهم من أهم أدواتهم الدعائية والسياسية التي تحفظ تماسكهم الداخلي وتعاطف بعض العرب والمسلمين.

محليا.. إذا بحثت عن دوافع كثير من اليمنيين الذين يخرجون في مسيرات الحوثيين أو حتى إلى جبهاتها العسكرية، ستجد أن نسبة كبيرة منهم لا يؤمنون بمعتقدها الديني ولا بفكرتها العرقية، لكنهم –أي المواطنين- يتحركون بدافع شعاراته ضد إسرائيل إضافة إلى أسباب أخرى. ولو توقف عن إطلاق "مفرقعاته" التي يتعمد أن تكون بلا أثر قتالي حقيقي، مكتفيا بالإنذارات وإدخال الإسرائيليين إلى الملاجئ، فسيفقد بلا شك هذا الدافع، ويتساقط من حوله كثير من المصفقين لشعاراته من العرب واليمنيين.

هذه العصابة السلالية تقدم نفسها كقوة تقاوم إسرائيل وأمريكا، وهذا الشعار يمنحها "شرعية رمزية" لدى العامة وبعض النخب التي لم تتضرر من ممارساتها أصلا، ما يسهل عليها التجنيد لصالح مشروعها العرقطائفي. أما إذا توقفت عن هذه المواجهة الشكلية، فسوف تضعف صورتها "الثورية" تدريجيا وتتحول إلى مجرد "سلطة أمر واقع" شبيهة بأي جماعة متطرفة معزولة ومنبوذة محليا وإقليميا ودوليا.

من دون معركة ضد "عدو خارجي" مكروه مثل إسرائيل وإن كانت شكلية، ستتجه أنظار اليمنيين إلى جرائم الحوثيين الحقيقية، على رأسها عنصريتهم العرقية وطائفيتهم الهمجية وليس فقط سرقة المرتبات وأخذ الجبايات والقمع والتهجير وتشييع المجتمع، وهذا بلا شك يعني سقوطهم في نهاية المطاف طال الزمن أو قصر.

بلا شعار "القتال ضد إسرائيل"، لن يختلف الحوثي عن داعش أو القاعدة بل في الحقيقة أبشع من ذلك في نظر اليمنيين. ولهذا، هم –أي الحوثيين- يوازنون بين الضرر العسكري والخسارة الاستراتيجية، ويعتبرون أن الخسارة العسكرية أهون بكثير. فالهزيمة تحت راية فلسطين الكاذبة بالنسبة لهم، أفضل من السحق تحت أقدام اليمنيين كنتيجة مباشرة لفسادهم وجرائمهم العنصرية والطائفية.

كان الحوثيون وما يزالون يحتاجون إلى وسيلة استثنائية وقضية كبيرة ومقدسة عند اليمنيين لكي تغطي بشاعتهم وتجعل الناس يتجاهلون قبائحهم، ولم يجدوا أفضل وأعدل من القضية الفلسطينية، وبعدما تعرض سكان غزة لذلك الظلم، فليس من المنطق ألا يفعل الحوثي شيئا ليظهر أن جماعته ليست شعارات وحسب، لاسيما وقد أكد للناس من قبل بأن لديهم أسلحة تصل إلى إسرائيل. إذن الحوثي أمام خيارات كلها سيئة، وهو يبحث عن الأقل سوءا.. ومفرقعاته التي يرسلها إلى إسرائيل ويتم تضخيمها من قبل بعض وسائل الإعلام الإقليمية والدولية لأهداف خاصة بهم، ما هي إلا محاولة للحفاظ على وجوده في شبه الجزيرة العربية. فأن يظهر -أمام اليمنيين والعرب- كقاتل لعدو خارجي، أفضل له من أن يظهر كمجرم يقتل المسلمين اليمنيين السنّة ويجوعهم ويهجرهم ويشيع أطفالهم، ونهاية هذا الطريق بلا شك السقوط.

الحوثيون هم من يستفيدون من القضية الفلسطينية، أما أهلنا في فلسطين وغزة لم يحصلوا إلا على الشعارات والمفرقعات التي لم تغير شيئا في الواقع.