٥٣ ألف ريال:ثمن البطولة في تعز؟!

فجأة تصبح البطولة تهمة، والصبر جريمة، والانتماء لتعز ترفا لا يستحق حتى بدل مواصلات!

وزير الدفاع، الجنرال "الميداني جدا"، محسن الداعري، خرج بجولة ميدانية إلى المحاور العسكرية الحدودية. وكلفت الزيارة ، بحسب تقديرات غير رسمية لكنها مؤلمة ، ثلاثة مليار ريال.

 

 مبلغ يكفي لتسديد رواتب آلاف الجنود في تعز لأشهر، لو كان هناك عدل، أو حتى قليل من الخجل.

 

ففي تعز، فيما يبعد العدو الحوثي أمتارا فقط عن خطوط التماس، يقف الجنود بصدورهم العارية، يلبسون التراب، ويأكلون الفاشوش، ويتقاضون راتبا "فخما" قدره ٥٣ ألف ريال كل ثلاثة أشهر، 

وكأن الدولة تعاقبهم على صمودهم.

وفي الوقت ذاته، تتدفق الرواتب بالريال السعودي على تشكيلات عسكرية أخرى، بكامل ملحقاتها من تحسينات، وصرفيات، وخيام مكيفة، وربما بطاقات خصم من "الدانوب".

 

ترى أي عبث هذا؟ أي وطنية تُقاس بالحساب البنكي؟ وأي جيش هذا الذي يُدار بمنطق "المكرمة" و"المعونة" و"الواسطة القبلية"؟

 

طبعا وزارة الدفاع، تلك التي تنسى تعز في الميدان وتتذكرها فقط عند "ضريبة القات"، لا تكتفي بالتقصير، بل تمارس التمييز العسكري بنسخة محسنة: 

طبقية في الرواتب، عنصرية في الزيارات، وتجاهل ممنهج لجبهة لم تنم منذ 2015.

لكأن محور تعز لا يملك حتى حق "اللفة الميدانية" من الوزير، فربما يرى المشهد بأم عينه ويصاب بـ"الزكام الوطني"، وهو يتنفس هواء الجنود الذين لم يستلموا بدل طبيعة عمل، لأنهم ببساطة" وُلِدوا في تعز.".

 

 فالوزير يفضل الطيران نحو الجبهات التي لا صوت لها، ولا صحافة ولا فضائح، فيما تقارير الإنجاز تُكتب في غرف الاجتماعات، لا على الأرض .

 أما تعز، فإن زيارته لها تعني النظر في عين الحقيقة، وهذا يتطلب شجاعة أكبر من حمل البندقية.

 

والشاهد نحن أمام معادلة مخزية: كلما اقتربت من الح..وثي، ابتعدت عن ميزانية الدولة!

 الجنود الذين يذودون عن الكرامة في تعز يدفعون الثمن مرتين: مرة بالجوع، ومرة بالتجاهل. 

ويتم تسويق هذا كـ"وطنية خالصة"، بينما تصنف اعتراضاتنا بأنها "نكران للجميل"، رغم أن الجميل الوحيد الذي رأيناه، هو صبر الجنود على خيانة ناعمة، مغطاة بورق الموازنات السرية.

 

طبعا لست حاقدا، لكنني غاضب.

ولست مناطقيا، لكنني حزين.

 الحزن ليس لأن هناك تمييزا فقط، بل لأن هناك من يدافع عن هذا التمييز. ومن يقول إن الحال طبيعي، فهو إما ح..وثي بالتواطؤ، أو مرتاح في فندق بخدمة خمس نجوم ويغني للنضال.

 

ألا فلتدفعوا ثلاثة مليار للزيارات، لكن خصصوا ٥٣ ألفا فقط لجنود الجبهة الحقيقية ولو منتظمة لا كل ثلاثة أشهر يتم صرفها وكأنها صدقه؟!

ثم كم يكلف الشرف في ميزانية الجمهورية؟ يبدو أنه أرخص من تذكرة الدرجة الأولى إلى مأرب.

لكن دعونا لا نطالب بالمساواة بعد اليوم.بل فقط بالإنصاف. أما الوزير، فليتفضل!

فليتفضل بزيارة تعز، ولو مرة، لا لكي يبتسم أمام الكاميرا، بل ليشتم رائحة الحرب التي يديرها من بعيد. بفاتورة مفتوحة.