في زمن تتنازع فيه الساحة اليمنية بين التدهور والتمنّي، وبين الحقيقة والدعاية، خرج علينا بعض المحللين ووسائل الإعلام بعبارات تمجيد مفرطة تصف رئيس مجلس الوزراء الجديد بـ"يوسف زمانه" – لا في الحُسن، ولكن لأن يوسف عليه السلام كان أول وزير للمالية في الأرض، عندما قال:
"اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم".
لكن الحقيقة، كما تكشفها التقارير والتحركات الإقليمية والدولية، مختلفة تمامًا، بل أقرب إلى ما يمكن تسميته "استجابة اضطرارية تحت الضغط"، لا نتيجة لعبقرية اقتصادية أو إصلاح جذري ذاتي.
الانخفاض الأخير في سعر الصرف: ليس نتيجة كفاءة
في الأيام الأخيرة، شهد الريال اليمني تحسنًا نسبيًا أمام العملات الأجنبية، وهو ما سارع البعض إلى نسبه إلى "الإدارة الجديدة"، دون تمحيص. لكن الحقائق تُظهر أن هذا التحسن ليس ناتجًا عن سياسات اقتصادية فعالة أو كفاءة حكومية، بل نتيجة ضغوط مباشرة من الولايات المتحدة والسعودية.
ما وراء الكواليس:
وفقًا لتقارير استخباراتية أمريكية، توصلت وزارة الخزانة الأمريكية إلى معلومات مؤكدة عن تورط شخصيات وجهات تتبع قيادة الشرعية اليمنية في عمليات:
غسيل أموال،
تمويل جماعات متطرفة،
تهديد الملاحة الدولية في باب المندب وخليج عدن.
وعلى ضوء هذه المعلومات، كانت واشنطن على وشك فرض عقوبات مالية صارمة، لكن تدخل المملكة العربية السعودية حال دون ذلك، وطلبت منح مهلة قصيرة لإجراء إصلاحات ملموسة.
إصلاحات مفروضة لا مُبادرة وطنية
بناءً على هذا الضغط، وبتوجيه مباشر من السعودية، بدأت الحكومة الشرعية في تنفيذ سلسلة من الإجراءات الإصلاحية المحددة، أبرزها:
إعادة جزء من الأموال المنهوبة إلى البنك المركزي في عدن.
إغلاق عدد من محلات الصرافة التي كانت تعمل كقنوات لغسل الأموال والمضاربة بالعملة.
إلزام الجهات الإيرادية بتحويل الأموال إلى البنك المركزي بدلاً من حسابات خارجه.
نقل بعض الوزارات السيادية من خارج عدن إلى العاصمة المؤقتة للحد من الفساد المالي.
إنشاء دورة مالية خاضعة لرقابة أمريكية مباشرة (C.I.A ووزارة الخزانة)، بالتنسيق مع الجانب السعودي.
هل يد تمتهن الهدم تصلح للبناء؟
رغم هذا التحسن الفني في سعر العملة، إلا أن الحقيقة تبقى أن اليد التي ساهمت لعقود في تقويض الدولة، وتمكين الفساد، ونهب المال العام، لا يمكن أن تكون ذاتها اليد التي تبني الوطن وتؤمن قوت الناس.
إن تصحيح الوضع لم يأتِ بقرار داخلي واعٍ، بل جاء محمولًا على قرون الشياطين كما يُقال، وتحت تهديد العقوبات والفضائح الدولية.
واخيراً…يخطئ من يظن أن الأزمة الاقتصادية في اليمن بدأت أمس، أو أن من ساهم في تدمير بنيانها قادر على هندسة نهوضها.
وإن كان هناك من فضل في هذا التعافي المؤقت للعملة، فهو يُنسب لضغوط واشنطن والرياض، لا إلى "نبوءة يوسف" التي يُراد إلصاقها برئيس وزراء لم يفتح حتى الآن دفتري: الحساب والمحاسبة.
فإن أراد الله خيرًا، أتى به...
إمّا محمولًا على أجنحة الملائكة، أو على قرون الشياطين.
من صفحة الكاتب بالفيسبوك
تابع المجهر نت على X