‏خياران ينتهيان بالفناء.. الشيخ صالح حنتوس نموذجا

منذ المراحل الأولى لتمرد الحوثيين، وهم يرتكبون جملة من الإنتهاكات التي ترقى لجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. ولأنَّها تستهدف اليمنيين الرافضين لحُكم السلالة بدلًا من حُكم الشعب، يمكن اعتبار عمليات القتل الناتج عن قصف المدن والإغتيالات والتعذيب حتى الموت بأنَّها إبادة جسدية منظمة.

أسرف الحوثيون في قتل خصومهم، وأفرطوا في استخدام العنف، وهي عملية مدروسة هدفها إظهار القوة والصرامة لإرهاب الناس. على سبيل المثال لا الحصر: فجَّروا منزل آل الحبيشي في صعدة في العام 2011م، وبداخله 16 من النساء والأطفال أمام الأهالي، مِمَّا أسفر عن قتل 14 شخصًا، منهم خمس نساء وسبعة أطفال( )، ومثَّلوا بجثة قائد اللواء 310 العميد الركن حميد القشيبي بعدما أفرغوا في جسده أكثر من سبعين عيارًا ناريًّا، وقطعوا بعض أطرافه. وبمشهد دموي مشابه، أعدموا عددًا من مشائخ القبائل وشباب الجامعات الذين لم يؤيدوا سيطرتهم على المدن اليمنية، وقنصوا الأطفال، وقصفوا المطارات المدنية وخزانات المياه. وعندما كانت هناك مقاومة جماعية في محافظة تعز وسط اليمن، فرضوا عليها حصارًا مطبقًا منعوا من خلاله دخول الماء والمواد الغذائية والطبية إلى المدينة وأمطروها بالصواريخ. وقد كان ذلك شكلا من أشكال الإبادة الجسدية التي تؤدي بالقصد إلى الإبادة الثقافية في نفس المنطقة ومناطق أخرى كان السكان فيها يتهيئون لمقاومة عنف هذه الجماعة.

أمام العنف الذي يُمارَس ضد اليمنيين منذ العام 2004م وحتى اليوم، يوضع اليمنيون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إمَّا أن يرفضوا هذه الهمجية السلالية فيتعرضون للإبادة الجسدية المباشرة (وهذا ما تعرض له الشيخ صالح حنتوس)، أو يخضعوا ويتعايشوا مع الواقع ليتعرضوا للإبادة الفكرية ومحو الهوية وتنصيب هوية وثقافة وعقيدة أخرى تجعل من عِرْقية لا تمثّل 1% من إجمالي الشعب عبارة عن «سادة»، وبقية اليمنيين عبيدًا باسم الحق الإلهي في الحكم. والأمر لا يتوقف لدى السكان عند قبولهم أو تعايشهم مع معتقدات الحوثي بحيث يعيشون في سلام، فما إن يقبلوا ويسلموا للمليشيات الحوثية حتى يتعرضوا لعملية التعبئة والتثقيف القسري الذي يجدون أنفسهم معه وقد أخذوا إلى معارك السلالة ضد مجتمعهم وهويتهم الأصلية، فيكونون قد هربوا من مواجهة هذه الجماعة حرصا على السلامة، وإذا بهم يساقون إلى الموت في حروب هي بالأصل ضدهم وضد مجتمعهم وهويتهم الوطنية الجامعة فضلا عن استخدامهم كأعيرة نارية تطلقها الجماعة في حروبها الوظيفية على دول الإقليم.

كان إمعان الحوثيين في القتل والتفجير والقصف والتجويع بهدف ترهيب المجتمع وإخضاعه للواقع المفروض عليه. وبناءً على ذلك، فإنَّ مَن يريد أن ينقذ نفسه من التصفية الجسدية أو الاختطاف والتعذيب أو التهجير، عليه أن يتقبَّل التصفية الفكرية. وكذلك الأمر بالنسبة لبقية المناطق اليمنية، فتعز( ) التي قاومت الحوثيين، تعرضت لأبشع أشكال الإنتهاكات التي ترقى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بينما المناطق التي فضَّلت عدم مقاومة الحوثيين تحت مبرر الحفاظ على السلام والوضع الإنساني، بات سكانها يتعرضون بشكل مُمنهَج للإبادة الثقافية التي تتخللها عمليات القتل والإغتيالات والاختطاف والتعذيب، وستنتهي مع الزمن باقتلاع الناس من جذورهم. فاجتثاث ثقافة وهوية اليمنيين، يعني اجتثاثهم وتحويلهم إلى آلات بشرية في أرضهم تابعة لسلالة وافدة.

تواجه المعتقدات الدينية والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي يؤمن بها اليمنيون بالإضافة إلى المفاهيم الحقوقية والإنسانية التي رسّخها النظام الجمهوري بعد تحقيق ثورة 26سبتمبر، تهديدًا وجوديًّا كَوْن هذه المفاهيم والقيم – الجمهورية - تؤكد على المساواة بين اليمنيين، وترفض تمييز الطوائف على أساس العِرْق أو اللون أو الدين. وهذا ما جعل الحوثيين اليوم يُنفِّذون سلسلة من المذابح الثقافية التي تهدف إلى اجتثاث هوية اليمنيين الجامعة، واستبدالها بمعتقد السلالة.

 

* النص من كتاب "الجريمة المركبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن" مع إضافة اسم الشيخ صالح حنتوس كنموذج جديد لليمني الذي رفض الاستسلام للإبادة الثقافية، وتعرض للإبادة البشرية.