في تاريخها الحديث نجحت إيران في خسران تعاطف الشارع العربي سواءً على مستوى الشعوب والحكومات أو حتى النخب والوعي الجمعي ، ونجحت فقط في اجتزاء مجموعات صغيرة تعمل لصالحها تحولت مع مرور الأيام والأحداث إلى منبوذة وغير قادرة على التأثير في الرأي أو القرار العام ، مع أن الثورة الإيرانية في بداياتها رفعت شعارات براقة مثل "نصرة المستضعفين" و "تحرير القدس" ، وهي شعارات استقطبت تعاطفاً في العالم العربي ، غير أن السنوات التالية أثبتت أن الأفعال الإيرانية في المنطقة كانت مناقضة لتلك الشعارات ، وظهرت حقيقة إيران لتتحول من طرف يدّعي مناصرة قضايا الأمة إلى لاعب مزعج يمارس سياسات الهيمنة والطائفية ونشر الفوضى ، وهو ما كانت نتيجته الطبيعية خسارة تعاطف شعوب المنطقة ونخبتها وصناع القرار فيها .
من أبرز الأخطاء الإيرانية إصرارها على "تصدير الثورة" وهو مبدأ كرّسه الدستور الإيراني نفسه وسعت طهران لتحقيقه من خلال دعم مجموعات موالية لها في الدول العربية ، وخاصة التي يتواجد فيها من يحملون الفكر الشيعي ، وترجمت فكرة التصدير هذه عبر محاولة تمكين هذه المجموعات لتسيطر على الدول التي تتواجد فيها ، وتقديم النموذج الإيراني كبديل عن أنظمة الحكم السائدة ، وهذا جعل الشعوب والحكومات على حدٍ سواء ترى في إيران خطراً على سيادتها الوطنية ، والأسوأ أن هذا التدخل لم يكن سياسياً فقط ، بل كان مصحوباً بدعم عسكري واستخباراتي جلب للمنطقة الفوضى والصراع ، وهو ما يضرب مقومات الاقتصاد ويعيق التنمية والتطور ومواكبة العصر .
سياسات إيران في المنطقة العربية أعادت استزراع الانقسامات الطائفية وغذت الصراعات تحت هذه اللافتة القاتمة ، وبالتالي الاستثمار في هذه الصراعات لتحقيق نفوذها ، والوصول لأهداف تخصها هي فقط ، ولتحقيق أهدافها دعمت طهران ميليشيات طائفية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا ، وكانت النتيجة شلال من الدماء في كل قطر وجرائم طائفية متنوعة بحق الشعوب تحت شعار "يا لثارات الحسين"! ، وهذا ما حدث في العراق بعد 2003، وسوريا بعد 2011 ، واليمن منذ 2014 ، ولبنان على مدى العقود الماضية ، وكانت النتيجة ملايين اللاجئين والضحايا ، وفشل سياسي واقتصادي ، وهذه السياسات وما نتج عنها دفعت العرب إلى اعتبار إيران فاعلة أساسية وليست شريكة فقط في كل جريمة أُرتكبت بحق شعوب المنطقة .
لم تتعامل إيران مع الدول العربية ككيانات ذات سيادة ، بل بنت نفوذها عبر دعم ميليشيات مسلحة موازية للدولة ، ففي لبنان دعمت "حزب الله"وهو ما أدّى إلى تقويض سلطة الدولة لعقود ودخول البلد في حالة فراغ سياسي وفشل اقتصادي ، وفي العراق أسّست عشرات الفصائل الولائية التي باتت أقوى من الجيش نفسه وهو ما حول الدولة ومقوماتها إلى لعبة بيد هذه الفصائل الطائفية ، وفي اليمن دعمت الحوثيين الذين انقلبوا على الشرعية وقتلوا ودمروا كل مقومات الدولة اليمنية واضروا بحالة الوئام مع دول الجوار والاقليم ، وهذا كله دفع العرب إلى الاعتقاد بأن إيران لا تسعى إلا لخلق دول فاشلة تابعة لها ، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً للمنطقة شعوباً وحكومات ، وبالتالي خسرت محيطها العربي ، وصنعت صدعاً لا يمكن ترميمه إلا بتحول حقيقي في رؤيتها للمنطقة .
دمتم سالمين .
تابع المجهر نت على X