من الواضح أنه لا توجد قوانين ثابتة ولا مبادئ ثابتة ولا مصالح ثابتة ولا صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة عند كل من انغمس في شؤون اليمن طوال ال ١٥ سنة الماضية وحتى الخمسين سنة.
{{ التغيرات: هي بسبب تغيرات توازنات القوى وتغيرات الظروف السياسية.}}
سوف نركز اليوم، فقط، على أكبر ثلاث جهات مهتمة باليمن هذا اليوم: أمريكا (ترامب) والسعودية (بن سلمان) وإيران (خامنئي).
وسوف يكون علينا أن نذكر اسرائيل والإمارات.
**
أولا: الحوثي وإيران في عيون ترامب
**
أمريكا، تقول أحيانا أن الحوثي يعمل مستقلا عن إيران بينما تقول في أحيان أخرى أنه مجرد ذنب وتابع لفيلق القدس الإيراني.
واشنطن تغير زاوية التوصيف بحسب تغير سياساتها أو حساباتها ومصالحها.
١- ترامب وتخصيب اليورانيوم الإيراني
*
إذا اتفقت أمريكا مع إيران بوساطة سلطنة عمان، فسوف يسلم ويأمن الحوثي في اليمن.
إذا لم يتوصلوا لأي إتفاق وتم ضرب إيران، فإن هذا سوف يضعف الحوثي.
لكن هناك اختلاف داخل الإدارة الأمريكية.
ڤانس، نائب الرئيس، قال يوم الأربعاء: "لا يمكن السماح بتخصيب اليورانيوم الذي يوصل إلى السلاح النووي لكن يمكن أن تستمر الأبحاث والتخصيب الذي يستعمل في الطاقة الكهربائية أو الأغراض الطبية."
روبيو، وزير الخارجية، يقول كلاما مخالفا: "يمكن لإيران أن تستورد اليورانيوم المخصب لاستخدامه في الأغراض السلمية ولا يمكنها أن تنتجه محليا،"
الرئيس ترامب، قال يوم الأربعاء: "نحن لم نتوصل لقرار نهائي بعد."
في مقابلة إذاعية مع Hugh Hewitt يوم الأربعاء، قال بشأن أجهزة الطرد المركزية لتخصيب اليورانيوم:
"هناك طريقتان لتفجير الأجهزة: طريقة لطيفة وطريقة شرسة."
نفهم من هذا أن ترامب- الذي سوف يحسم المسألة لا يريد سلاح نووي إيراني ولكنه مازال غامضا بشأن التفاصيل الفنية، التي يجري بحثها الآن في مفاوضات مبعوثه ويتكوف مع وزير خارجية إيران عراقجي الذي يصمم على استمرار قدرة إيران على التخصيب المحلي لأغراض سلمية.
المتشددون المحافظون في الحزب الجمهوري، يصممون على ضرورة إنهاء قدرات التخصيب تماما، لأن إيران سوف تعود للحصول على سلاح نووي في المستقبل عندما {{ تتغير الظروف السياسية وموازين القوى.}}
٢- ترامب صانع السلام
*
يروج ترامب لنفسه أنه صانع سلام Peacemaker ويريد الحصول على جائزة نوبل للسلام.
تم اختبار صناعة ترامب للسلام في حرب أوكرانيا وفي حرب غزة، ولكنه ظهر مهترئا ومتهتكا باقتراحات غريبة وجهود غريبة واجتماعات غريبة وقد انكسرت رغبته في تحقيق سلام في أوكرانيا وغزة.
ويبقى معه عقد اتفاقية سلام بين السعودية واسرائيل، وهذا صعب بعد فشله في تحقيق سلام في حرب غزة.
إدارة ترامب، يصرحون علنا أن أمريكا غير مهتمة بالحرب الأهلية في اليمن ولا بمصير الأطراف المتصارعة، وهذا يعني أن ترامب لا يطمح بجائزة نوبل على جهوده كصانع سلام في اليمن.
احتمالات حصول ترامب على جائزة نوبل بسبب صناعة السلام في أوكرانيا أو الشرق الأوسط أو اليمن، تتضاءل.
٣- ترامب ليس مسعرا للحروب
*
تخلص ترامب من مستشاره للأمن القومي، والتز، ليس بسبب فضيحة تسريب تفاصيل الحرب على الحوثي بسبب إدراج رئيس تحرير أتلانتيك ولكن لأنه يوصف بأنه مسعر حروب Warmonger ويصمم على محاربة روسيا في أوكرانيا وعلى قصف المشروع النووي الإيراني.
ترامب أيضا يكره الحروب الطويلة.
**
ثانيا: ترامب والعنف المركز
**
يكره الحروب الطويلة ولكنه يحب العنف المركز.
يعجبه أن يبين أنه رئيس قوي وحازم كما فعل عندما قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في فترة رئاسته الأولى.
كانت أمنية ترامب أن يتخلص من عبدالملك الحوثي في الشهور الأولى لرئاسته الثانية كما تخلص من قاسم سليماني ليقولوا عنه أنه أقوى الرؤساء الأمريكيين.
طالت حرب ترامب المركزة على الحوثي
*
تغير ترامب عدة مرات خلال خمسين يوم من حملته الحربية الجوية على الحوثيين.
هذه حالة توفر مادة أساسية لفهم ترامب وفهم تغيرات السياسات وحتى فهم الواقع في اليمن.
هذا درس لكل مكان ولكل زمان.
وهذا درس بليغ على انتهاز الفرص وتأثير القوى الموجودة على الأرض، وتحولات موازين القوى، التي ينتج عنها في تغيرات في المواقف، وتنتهي بتغيرات سياسية تستمر لفترة حتى تتغير موازين القوى من جديد.
ترامب، انتهز سوء سمعة الحوثيين وسوء سمعة إيران في أمريكا وأوروبا بسبب حروب الوكالة وقطع الملاحة البحرية وضرب اسرائيل، ورأى أن هذه فرصة لضرب الحوثي لأسبوع أو أسبوعين بدون الحاجة لأخطار حرب طويلة مع إيران.
ابتدأ ترامب بهدف منع الحوثي من تهديد الملاحة البحرية.
ثم تغير إلى ضرورة قتل القيادات الحوثية.
ثم تغير إلى مساندة حكومة الشرعية اليمنية.
ثم تغير إلى ضيق من حرب قد طالت مدتها إلى خمسين يوم.
ثم قرر الخروج من مغامرة اليمن.
تم إنقاذ ترامب على يد ستيف ويتكوف مبعوثه للتفاوض على مصير المشروع النووي الإيراني، مع الوسيط وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي بموجب إتفاق يتوقف فيه الحوثي عن ضرب السفن الأمريكية فقط مقابل توقف أمريكا عن ضرب الحوثيين.
خسرت اليمن ضحايا مدنيين وتكبدت خسائر هائلة في المطارات والموانئ والمصانع والبنية التحتية.
أعلن ترامب أن الحوثي قد استسلم وأن أمريكا قد انتصرت.
أعلن الحوثي أن ترامب قد استسلم وأن اليمن قد انتصرت.
هذا كله يعيد ملف تحديد مصير اليمن إلى أيدي السعودية وإيران.
**
ثالثا: انعدام وزن المجلس الرئاسي اليمني
**
المجلس لا ينتهز الفرص
*
الأمر البديهي والمتوقع، هو أن خصوم الحوثي كان يجب أن ينتهزوا فرصة ضربات ويشعلوا الجبهات للتخلص من عبدالملك الحوثي الذي استولى على العاصمة صنعاء، وقتل الرئيس السابق صالح، ويحاصر تعز ويقصف أحياءها السكنية، ويضرب موانئ ومنشآت تصدير النفط والغاز اليمني في شبوة وحضرموت،
هذا الأمر البديهي، جعل اليمنيين يعتقدون أن الأمر البديهي هو أمر بديهي.
… وأن الأمور البديهية هي التي تتحقق.
الذي حدث على الواقع، كانت كلها أمورا غير بديهية.
أفعال الرئاسة أثناء حرب ترامب
*
١- عضو مجلس رئاسي، ضاعف نشاطه ليروج لانفصال الجنوب عن الشمال في محافظات شبوة وحضرموت وسقطرى.
… ثم انقطعت أخباره.
٢- عضو مجلس رئاسي، خطب بحماس يطلب من الحوثي أن يسلم العاصمة صنعاء وبشر المتعاونيين مع الحوثي بالأمان تحت العدالة الانتقالية.
… ثم انقطعت أخباره.
٣- الحليف في عاصمته الرياض، شكل جبهة من هيئة تشاور ومصالحة مع مكونات يمنية سياسية مع تكتل أحزاب وطنية مع قادة أحزاب اليمن، وقالوا أنهم في مهمة "إسناد الرئاسة اليمنية" الذي يعني عمليا صرف النظر عن الحرب البرية التي تعارضها السعودية.
واستجاب الرئيس أنه منفتح على كل الاحتمالات وهذا يعني انفتاحه على مفاوضات الحوثيين.
٤- رئيس مجلس رئاسي، أرسل دبلوماسيا رفيع المستوى إلى واشنطن يطلب من إدارة ترامب الأموال للمجلس الرئاسي لحشد الجيوش اليمنية لشن حرب برية وتحرير العاصمة صنعاء من الحوثيين.
هذه كانت عملية شنق وكتم أنفاس للبداهة وانكشاف لحالة فريدة من انعدام الوزن.
**
رابعا: الدبلوماسية الرئاسية تصل واشنطن
**
الرئاسة اليمنية، مفتونة ومشغولة بمقابلة السفراء.
مكانهم الذي قد يكون أكثر ملاءمة هو أن يصبحوا كلهم وزراء خارجية ودبلوماسيين بدلا من قادة للبلاد.
قررت الرئاسة اليمنية ارسال دبلوماسي يمثلها شخصيا إلى واشنطن.
١- الرئاسة في بلاد الفلوس
*
الرئاسة تقيم في السعودية— بلاد الفلوس— ولكنهم أرسلوا دبلوماسيا ليطلب من ترامب فلوس داخل أمريكا التي تجري بعد فلوس كل العالم وحتى من حلفائها وجيرانها.
ترامب يعرف فقط أخذ الفلوس، وخاصة من السعودية التي وصل من عاصمتها الدبلوماسي الرئاسي اليمني.
٢- الدبلوماسية اليمنية يقولون لترامب أنهم يريدون الحشد لشن حرب برية لمحاربة الحوثي، بينما هم في نفس الوقت يعملون العكس مع السعودية والفئات اليمنية التي تستعملها السعودية من التشاور والمصالحة، والمكونات، والأحزاب الخ… للتخلص من فكرة الحرب البرية.
السعوديون، أصلا، كان قد أخبروا الأمريكيين عند زيارة الأمير خالد إلى واشنطن قبل اسبوعين من بداية حرب ترامب على الحوثيين أنه يفضلون عودة العملية السياسية للتوصل لحل سلمي تفاوضي في اليمن.
٣- إقناع ترامب
*
يرسلون دبلوماسيا رفيع المستوى لإقناع إدارة ترامب بضرورة التخلص من الحوثي، بينما ترامب مقتنع ويقوم فعلا بضرب الحوثي ويريد رؤوس قادة الحوثية.
(!) وكيف ينطلق الدبلوماسي اليمني من الرياض للسفر— وربما على نفقة المملكة— لإقناع ترامب بالحرب البرية بينما السعودية ترفض الحرب البرية (!)
٤- بلبلة تصريح فزاعة داعش
*
الدبلوماسي اليمني حذر من أن الخلاص من الحوثي قد يجلب البديل الأسوأ: داعش.
هذه فزاعة لتخويف الأمريكيين أم لجذبهم؟
قد كانت هناك بلبلة وارتباك في أوساط الجيوش التي قد تزحف على الحوثيين بأن التخلص من الحوثيين قد يكون في صالح الإخوان المسلمين أو حزب الإصلاح أو القاعدة وداعش.
كان هذا التخويف موجودا أصلا بين تصريحات جهات محسوبة على الشرعية اليمنية.
ثم أُعِيد استعماله من الدبلوماسية اليمنية في واشنطن.
القاعدة أو داعش في اليمن، لا توجد.
وإذا وُجدت فإنها صناعة الأمن الوطني السابق وفزاعته للتلاعب بالأمريكيين.
إثارة استياء حزب الإصلاح
*
لا يمكن أن تحشد اليمنيين وأنت تخوفهم من بعض مكوناتهم (الإخوان المسلمين أو حزب الإصلاح) التي شاركت السعودية في جهد إسناد الرئاسة لصرف النظر عن الحرب البرية بالرغم من أنهم يريدون الحرب البرية (!).
الناشطون من الإخوان المسلمين أو تجمع الإصلاح، هم أكثر من استاء من هذا التصريح وامتلأت الوسائط الاجتماعية بالردود والهجوم.
وكيف تطلب من ترامب فلوسا للحشد وأنت تصرح في نفس الوقت أن التخلص من الحوثي قد ينتج عنه البديل الأسوأ وهو بروز داعش والدولة الإسلامية.
هذا لا يقنع الأمريكيين بضرورة التخلص من الحوثيين وربما حتى يجعل ترامب يفضلهم على مجلس الرئاسة.
٥- نتصارع مع أنفسنا
*
هذا أدى إلى مصرع البداهة في أوساط المتحمسين لحرب برية.
وانشغل المتحمسون للحرب البرية في مصارعة بداهات الدبلوماسية والرئاسة اليمنية التي هي أصلا تتصارع مع نفسها.
الدبلوماسية اليمنية، تتصارع مع نفسها عندما تنطلق من السعودية التي تعارض الحرب البرية لتذهب إلى ترامب وتطلب منه تمويل الحرب البرية بينما تقول له في نفس الوقت أن القضاء على الحوثي بالحرب البرية سوف يحضر البديل الأسوأ.
**
خامسا: رسالة إلى مجلس الرئاسة
**
١- باي باي للحرب البرية
*
بانتهاء حرب ترامب الجوية على الحوثيين، تنتهي احتمالات الحرب البرية.
ونحن أصلا كنا نعلم طول الوقت باستحالة نشوب الحرب البرية لأننا لم نكن نشاهد علامات وإشارات التجهيز وحشد البشر والموارد واللوجستيات.
لكننا كنا نتضايق من إرسال الإشارات الغير صحيحة باحتمال نشوب الحرب البرية بينما كل نشاط أعضاء مجلس الرئاسة والحليف السعودي تدل على العكس.
٢- اسرائيل والإمارات
*
هناك كلام لا يفيد بأن اسرائيل لن تترك ثأرها مع الحوثيين وأن الإمارات مازالت تريد محاربة الحوثيين بتشكيلاتها العسكرية ووكلائها المحليين وأنها سوف تحرر الساحل وميناء الحديدة.
لا تركنوا كثيرا على هذا الكلام غير المفيد.
٣- نقض تصريح الملك سلمان
*
تلك أيام قد مضت واندثرت.
تصريح الملك سلمان في ٢٠١٥:
أمن اليمن من أمن السعودية"
"أمن السعودية من أمن اليمن"
هذا التصريح دغدغ مشاعر اليمنيين وجعلهم يحبون السعوديين ويثقون بهم.
قد تغير أشقاؤنا في المملكة، وقد حل محل هذا التصريح تصريحات لا نحبها ولا نحب من يتكلم بها، وهي:
"مراعاة مصالح إيران" "مراعاة استقرار اليمن تحت حكم الحوثيين" "مراعاة استقرار المنطقة".
٤- أنتم تعودون الآن تحت رحمة السعودية وإيران
*
هناك احتمال ضعيف بأن تفشل مفاوضات أمريكا مع النووي الإيراني واندلاع الحرب وهذا سوف ينهي الحوثيين، وتعودون أنتم للواجهة ليتغصصكم اليمنيون المساكين.
الاحتمال الأقوى، هو أن تتفق أمريكا مع إيران ويعود مصيركم تحت رحمة السعوديين والإيرانيين والحوثيين كما حدث لكم من قبل عندما اتفق السعوديون والحوثيون على خارطة الطريق.
٤- أنتم تعودون إلى يناير ٢٠٢٤
*
كان من المتوقع أن يتم التوقيع على خارطة الطريق في أوائل يناير ٢٠٢٤ ولكن أمريكا أوقفت كل شيئ.
نحن نرى أن ما تهتمون به وما يشغلكم ليس هو ما نهتم به ولا ما يشغلنا.
التجارب تدل على أنكم قد خذلتم اليمنيين في القيادة والسياسة والحرب وفي الصراع بين مكوناتكم وفي مواجهة الحوثيين وفي التعامل بندية مع السعوديين والإماراتيين، ونحن نلفت نظركم أن كل هذا يجب أن يتغير.
٥- قد لا تهتمون بكلامنا ولا تكترثون
*
كل كلامكم لا يعجبنا.
وأغلب الظن أن كلامنا هذا لا يعجبكم.
وأنكم كنتم تودون لو نلتمس لكم الأعذار وأن نرحمكم وأن نراعي أن أوراق الضغط التي بأيديكم ضعيفة.
هذا لا يحدث في أي مكان.
الشعوب، لا تلتمس العذر لقادتها الضعفاء.
تابع المجهر نت على X