الاثنين 20/مايو/2024
عاجلعاجل

رحيل الشاعر الحزين

رحم الله الشاعر احمد الجابري، مات الشاعر أحمد الجابري وهو أحد شعراء الغناء اليمني القلائل الذين أجادوا صناعة الكلمة السهلة الممتنعة زادها سلاسه وعمق صوت أيوب طارش الشجي الذي يخرج متسللا من حناجر الشواجب وقشعريرة الشعاب وخضرة المراعي وأحزان الغروب. 

أحمد الجابري من شعراء الحزن فقد خلق محملقا في الغروب حتى وهو يناغي صغار الطير عند البكور فالحياة عند الجابري بأشواقها وأشجانها نقطة غروب دامعة تنطف دمعا وحسرة على الصبا والمراعي وفجر العمر الضايع والأيام لاتستحق العناء فهي صورة مكبرة لسراب بقيعة. 

ايش معك تتعب مع الأحباب يا قلبي وتتعبنا معك 

لا الضنا يروي ضما روحي ولا الدنيا بعيني توسعك 

لامتى شاصبر وانا اجري وراء حبك اطيعك واتبعك 

ايش بقى لي في الهوى 

غير الشجن زادي يلوعني معك
فالايام في جوهرها عند الجابري رحلة ضياع عابرة تدهس الحنين  باظلافها القاسية وتنسف الاشواق وترمي بها في عين الريح 

لو يقع لي ادفن الأشواق اطويها وانسى موجعك 

ضاعت الأيام من عمري سدى ضاعت وحبي ضيعك 

وكأن الجابري في شعره  يستدعي  المعري القديم في نظرته  للحياة 

َغيرُ مُجْدٍ فِي مِلَّتِي وَاعْتِقَادِي 

نَوْحُ بَاكٍ وَلَا تَرَنُّمُ شَادِ 

وَشَبِيهٌ صَوْتُ النَّعِيِّ إِذَا قِيـ 

ـسَ بِصَوْتِ الْبَشِيرِ فِي كُلِّ نَادِ 

هذه النظرة لضياع الأيام وسرابية الحياة تبدوا في جوهرها حكمة المؤمن عند ما تربط بصالح الأعمال و بيقين الخلود فامتداد هذه الحياة إلى دار يألفها روح الإنسان الذي خلق للبقاء، بعيدا عن دار الزوال التي تمثل منفصلة رحلة ضياع مرعبة، فالإنسان  خلق للبقاء وهو بروحه يعشق الخلود ولا يسد حنينه سوى البقاء. 

(تَعَبٌ كُلُّهَا الْحَيَاةُ فَمَا أعـجَبُ 
إِلَّا مِنْ رَاغِبٍ فِي ازْدِيَادِ 

خُلِقَ النَّاسُ لِلْبَقَاءِ فَضَلَّتْ 

أُمَّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ لِلنَّفَادِ) 

إن الحياة في عين هذا الشاعر أو ذاك الحكيم رحلة ضياع ولحظة زوال لا تستحق العناء فلا معنى لنعيم زائل مهما كانت صوره، فـ (لا للذة مع الزوال )، فالحياة بحقيقتها رحلة ضياع  محزنة 
لكنها وهذا هو المهم  فرصة استثمار للبقاء والحصول على بطاقة خلود ونعيم دائم لايعرف الغروب، رحم الله احمد الجابري ونسأل الله أن يكون ونحن جميعا ممن قال فيهم : (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيهانعيم مقيم )

فرحمة الله واسعة  واسعة لا حد لها ولا حدود