عاجلعاجل

رمضان اليمن: كيف صار الحال والحرب تدخل عامها التاسع؟

رمضان اليمن: كيف صار الحال والحرب تدخل عامها التاسع؟

المجهر- القدس العربي

كيف صار إليه حال اليمنيين في رمضان هذا العام، والحرب تدخل عامها التاسع، مقارنة بما كانت أحوالهم قبلها؟ السؤال يحاول أن يجد مفتتحا لقراءة ما آلت إليه المعاناة الإنسانية هناك في العام التاسع للحرب، وخلال شهر رمضان، الذي يعد أهم شهر قمري يحرص أن يعيشه جميع المسلمين وهم موفورو الحال كتقليد مشترك؛ فكيف يعيش اليمنيون شعائر هذا الشهر وتقاليده، وقد صاروا «أسوأ مأساة إنسانية في التاريخ الحديث» حسب الأمم المتحدة بفعل الحرب؟
 
يجدر بنا -أولا- التعرف إلى ما يعنيه رمضان لليمنيين، وكيف كانوا يعيشونه قبل الحرب مقارنة بما أصبح عليه حالهم هذا العام والحرب تدخل العام التاسع، وخاصة على صعيد علاقتهم بالشعائر الدينية والتقاليد الثقافية المتوارثة؟
 
ككل المسلمين يمثل رمضان لليمنيين مناسبة دينية عظيمة؛ وانطلاقاً من ذلك يستعدون له من شهر رجب من خلال التهيئة وتوفير ما تحتاجه يومياتهم الرمضانية، وخاصة على صعيد المائدة؛ وهو الاستعداد الذي يظهر بوضوح في شهر شعبان؛ من خلال إقامة شعيرة صيام بعض أيامه، وخاصة ما تُعرف بـ(الشعبانية) التي تمثل مناسبة احتفالية بالصوم من خلال تعدد وتنوع التقاليد المرافقة لصوم هذا اليوم؛ وهو صيام يوم الخامس عشر منه. ولصيام هذا اليوم خلفيته الثقافية لديهم، لكنه مرتبط أساسًا بالاستعداد النفسي لاستقبال رمضان، الذي يمثل بالنسبة لكثير منهم فرصة لترتب العلاقة بالإيمان، وتجديدها من خلال الحرص على أن يلتزموا فيه بالعبادات؛ وفي مقدمتها الصلاة والالتزام بأدائها في المساجد، وهو ما يشتهر فيه رمضان، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين، بمن فيهم الأطفال، الذين يمثلون ملمحًا هامًا من ملامح الصلاة والصيام في رمضان.
 
خلال هذا الشهر يحرص الآباء على تعليم وتعويد أطفالهم على الصيام، لاسيما وأن رمضان صار يأتي في الإجازة المدرسية الصيفية، ما يجعل منه مناسبة يتنافس الأطفال على الصلاة والصيام، حتى لا يصلوا إلى سن البلوغ إلا وقد صاروا قادرين على صيام الشهر كاملا.
 
كما يتميز رمضان بحرص عديد من اليمنيين على أداء صلاة التراويح جماعة؛ التي تمثل ملمحًا من ملامح روحانية هذا الشهر، بالإضافة إلى صلاة التهجد التي تقام جماعة بالمساجد في العشر الأواخر.
 
من أبرز ملامح شهر رمضان ذات العلاقة بالشعائر أيضا هي السلوكيات المرتبطة بصلاة المغرب، التي يسبقها الإفطار عند الأذان، فقبل الحرب كان كثير من اليمنيين يأتون من بيوتهم ومعهم أطباق مختارة من الإفطار، فيصبح الإفطار في صروح المساجد عنوانا عريضا من عناوين رمضان.
 
تنقسم وجبة الإفطار الرمضانية في معظم مناطق اليمن إلى قسمين: الإفطار وهذا عقب أذان المغرب، ومن ثم يقوم الجميع للصلاة ويعودون لاحقا لتناول العشاء وأطباقه تختلف عن أطباق الإفطار. ومن اليمنيين من يؤجل العشاء إلى الساعة التاسعة أو العاشرة ليلا.
 
في علاقتهم بالصيام كان اليمنيون (قبل الحرب) يحرصون على أن يكون رمضان شهر استراحة سنوية، وخاصة لأصحاب المهن الحرة، وبعض المغتربين، أما الموظفون (ما زالت) ساعات دوامهم قليلة بين أربع أو خمس ساعات، والأخيرة هي ساعات الدوام الحكومي المقرة في هذا الشهر.
 
على الصعيد الاقتصادي كان أصحاب المهن يدخرون الكثير بما يكفي الانفاق على احتياجات الشهر بيسر، أما الموظفون فكانوا يتحصلون مرتبا في أول الشهر ومرتبا في آخره، وفي منتصفه مرتب إكرامية علاوة على الحوافز المتأخرة طوال العام كانت تُصرف مع حوافز شهر رمضان؛ وهو ما كان يجعل من هذا الشهر مناسبة للتيسير في الانفاق؛ وبالتالي كان الابتهاج عنوانا لهذا الشهر لدى معظم اليمنيين.
 
على صعيد التقاليد الثقافية المتوارثة المتعلقة بطقوس رمضان؛ فتختلف من منطقة إلى أخرى، انطلاقًا من التنوع الثقافي الذي يعود لتنوع البلد المناخي والتضاريسي، إلا أن معظم اليمنيين يكاد يشتركون في الاستعداد المبكر من خلال الحرص على توفير ما تتطلبه المائدة الرمضانية؛ فيوفرون الحبوب الخاصة ببعض أطباق رمضان كخبز اللحوح وطبق الشربة بالإضافة إلى السمن البلدي كاحتياج تتطلبه أطباق ممثلة كـطبق الفتة التي تتعد طريقة إعداده من منطقة إلى أخرى، بل وتختلف الحبوب المستخدمة فيه بالإضافة إلى طبق بنت الصحن وغيرها.
 
من أبرز الأطباق في المائدة الرمضانية، والتي يشترك فيه معظم اليمنيين طبق الشُربة؛ فتكاد معظم المناطق تحرص أن يكون هذا الطبق حاضرا في وجبة الرمضانية، وقبل ذلك طبق الشفوت، وهو يتكون من الزبادي مع خليط الطماطم والفلفل والثوم والملح ومن ثم يوضع فيه قطع من خبز اللحوم، وهنا تختلف مناطق اليمن في استخدام أنواع الخبز، الذي يتم إضافته لطبق الشفوت، كما تختلف المناطق في الإضافات الأخرى لهذا الطبق فبعض المناطق تضيف حبيبات الرمان وبعضها الزبيب واخرى سلطة الخضار. ويمثل طبقا الشربة والشفوت بمثابة المقبلات لوجبه العشاء، ويسبقان الطبق الرئيسي.
 
وبخصوص الطبق الرئيسي تشتهر المائدة الرمضانية اليمنية بعدد من الأطباق التي تحضر كطبق رئيسي في رمضان وفي وجبه الغداء في غيره من شهور العام، ومن أبرز الأطباق التي تشتهر بها منطقة عدن، وبعض مناطق جنوب اليمن طبق الُزربيان؛ وهو طبق يتم إعداده من الأرز الفاخر؛ ومعه قطع من الدجاج أو اللحم البقري أو غيره من أنواع اللحم. ولطريقة إعداد هذا الطبق تفاصيل عديدة تحضر فيها البهارات الخاصة وغيرها مما يخرج معها الطبق مختلفا وشهيًا يختلف فيه مذاق الأرز واللحم عما هي في دونه من الأطباق. أما وجبة السحور فلها أطعمتها الخاصة وطقوسها وتقاليدها والتي تختلف من منطقة إلى أخرى.
 
ثمة شعائر وتقاليد يختص بها رمضان اليمن، ولا يمكن الوقوف عليها في هذه المساحة، إلا أن السؤال الآن: كيف صارت الحال والحرب قد طوت عامها الثامن وصارت البلد على عتبة العام التاسع؟
 
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننكر أن ثمة إصرارا يمنيا على التمسك بالحياة؛ وهو ما يتجلى في المناسبات؛ من خلال المحافظة قدر الإمكان على ما تبقى من طقوس مرتبطة بالمناسبة؛ فعلى الرغم من أن غالبية المجتمع أصبح تحت خط الفقر، مع ارتفاع مؤشر البطالة لمستويات غير متوقعة، بل لقد صار 21 مليون يمني بحاجة للدعم، و17.6 مليون بحاجة للمساعدات الغذائية و 11.6 مليون بحاجة ماسة، و8.4 مليون صاروا على حافة المجاعة، إلا أن ثمة إصرارا على أن يعيش اليمني المناسبة بأي قدر من الاختلاف عن باقي أيامه، لكن، في العموم، الوضع لم يعد بخير؛ فانقطاع صرف المرتبات على معظم الموظفين العموميين ضاعف من المعاناة الإنسانية، وأفقدهم ما يفترض أن يبقى؛ لأن بقية المصادر توقفت مع تعطل معظم قطاعات العمل والإنتاج وبالتالي صار رمضان مناسبة تثقل كاهل رب الأسرة في ظل ما يعانيه من أوضاع اقتصادية صعبة؛ الأمر الذي تراجعت معه طقوس التعامل مع شعائر وتقاليد الشهر؛ فعلى مستوى العبادات تراجعت علاقة الناس بالمسجد لاسيما مع حضور السياسة الطاغي في مهام المساجد؛ إذ أصبحت المساجد ضمن أدوات الصراع المذهبي، بل لقد صار الكثير يواجهون مشكلة في دفع زكاة الفطر، التي كانت تمثل مبلغا زهيدا، بينما صارت اليوم تتجاوز مبلغ الألف ريال عن النفس الواحدة، الأمر الذي يعجز عن أداءه البعض.
 
على صعيد المتطلبات ثمة عائلات ما زالت تحاول أن تعيش رمضان بقدر معقول من الاختلاف عن بقية الشهور، وتستعد له من خلال طقوس مختلفة، لكن قطاعا كبيرا من العائلات أصبحت تعيشه بالحد الأدنى وأحيانا بالكاد يعيشونه كبقية الشهور، وبالتالي يصبح رمضان هذا العام أبرز عناوين المأساة اليمنية وفي ذات الوقت أبرز عناوين التحدي الذي يبديه الناس في مقاومة واقعهم المأساوي رغبة في أن يعيشوا ولو النزر اليسير مما تبقى لهم من شعائر وتقاليد هذا الشهر الذي يحرصون أن يبقى مختلفًا في حياتهم وفضيلا في تأثيره على أرواحهم التي تحاول أن تجد فرصة لتجديد الايمان والتخفف من حمولة الواقع الاقتصادي السيء ولو مؤقتا.
 
يبقى الإشارة إلى ما يميز رمضان هذا العام؛ وهو أنه يأتي ويأمل قطاع عريض من اليمنيين بقرب تحقق السلام؛ لاسيما بعد أنباء توقيع الاتفاق السعودي الإيراني مؤخرا.